للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل (١٢): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي]

ثم ليحذر من آفة الرفق وهو أن يكون رفقه عن مداهنة أو استمالة للقلوب أو الوصول إلى غرض أو لخوف من تأثير وخشية (بظن) قريب أو بعيد. وكل ما يراه أميل إلى هواه وطبعه فالأولى له تركه.

والمقصود استعمال الرفق واللين في الأمر والنهي إلا لمعلن بالفسق أو مجاهر بالمعصية، لأن الرفق محمود مفيد في أكثر الأحوال وأغلب الأمور والحاجة إلى العنف قد تقع وإنما الكامل من يميز مواضع الرفق عن مواضع العنف، فيعطي كل ذي حق حقه.

قال حنبل: سمعت أبا عبد الله- رحمه الله- يقول: الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق الآمر والناهي بلا غلظة إلا لرجل معلن بالفسق، فقد وجب عليك نهيه وزجره، فليس لفاسق حرمة.

وقال القاضي عياض بن موسى- وينبغي أن يرفق (في التغيير) جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شره، إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله ولا يغلظ إلا على (الممعن) في غيه، والمسرف في بطالته إن أمن أن يؤثر إغلاظه منكرًا أشد مما غيره، ليكون جانبه محميًا عن سطوة الظالم.

قال سفيان الثوري لأصحابه: (أتدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد قال: أن تضع الأمور مواضعها: الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه.

(ففي هذه إشارة إلى أنه لابد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق).

قال الحليمي: ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مميزًا يرفق في موضع الرفق، ويعنف في موضع التعنيف، ويكلم كل طبقة من الناس بما يعلم أنه أليق بهم وأنجح فيهم، وأن يكون غير محاب ولا مداهن.

قال الغزالي: فإن كان قاصر البصيرة، وأشكل عليه حكم واقعة من الوقائع فليكن ميله إلى الرفق، فإن النجح معه في الأكثر.

<<  <   >  >>