للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال لبعض غلمانه: بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما جرى وما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به. فلما أفاق وذكر له ما جرى استحى منه (وبكى) وهم بالانصراف. فقال له الغلام: قد أمرني مولاي أن تأتيه، فأدخله عليه. فقال له: أما استحييت (لنفسك) لشرفك! فاتق الله وانزع عما أنت فيه، فبكى الغلام منكسًا رأسه ثم رفعه وقال: عاهدت الله عهدًا يسألني عنه يوم القيامة أن لا عدت أشرب الخمر ولا لشيء مما كنت فيه وأنا تائب إلى الله. فقال: ادن مني فدنا منه، فقبل رأسه وقال: أحسنت يا بني. فكان الغلام- بعد ذلك- يلزمه، ويكتب الحديث، وكان ذلك من بركة الرفق. ثم قال: إن الناس يأمرون بالمعروف ويكون معروفهم منكرًا فعليكم بالرفق في جميع الأمور تنالوا به ما تطلبون).

وروى الإمام أبو بكر ابن أبي الدنيا بسنده عن علي بن (غنام) الكلابي، عن أبيه. قال: مر محمد بن المنكدر- رحمة الله عليه- بشاب يجذب امرأة في الطريق فقال: يا فتى ما هذا جزاء نعم الله عندك.

وبسنده عن عثمان بن الوليد قال: رأى محمد بن المنكدر رجلًا مع امرأة في خراب وهو يكلمها. فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما.

وبسنده، عن محمد بن المنكدر- أيضًا- أنه وجد لصًا في داره يقال له: قنديل. كان غلامًا لآل إبراهيم بن محمد بن طلحة. فقال: عشوا قنديلًا وابعثوا به إلى مواليه.

ودعي الحسن البصري- رحمة الله عليه- إلى عرس فجيء بجام من فضة فيه خبيص، فتناوله فقلبه على رغيف وأصاب منه. فقال رجل من الحاضرين: هذا نهي في سكون.

فهكذا كانت عادة أهل الدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الرفق واللطف بالمأمورين.

فينبغي- حينئذ- لمن سلك طريقهم أن يكون رفيقًا لاسيما للمأمور القاصر بالمعصية على نفسه في مبادئ الأمر والنهي، لعل الله- تعالى- أن يستنقذه مما هو فيه ببركة الرفق، لأنه أشرف أخلاق الآمرين والناهين.

<<  <   >  >>