للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسئل بعضهم أي الأمور أشد تأييدًا للفتى وأشدها إضرارًا به. قال: أشدها تأييدًا له ثلاثة أشياء: مشاورة الحكماء وتجربة الأمور وحسن التثبت وأشدها إضرارًا به ثلاثة أشياء: الاستبداد، والتهاون، والعجلة. وكانت العرب تسمي العجلة: أم الندامات.

وذكر عند المأمون بعض عظماء دولته، فقال: نعم من ذكرتم ولولا عجلة فيه.

وقال بعض الحكماء: العجلة في الأمر خرق، وأخرق من ذلك التفريط في الأمر بعد القدرة عليه.

قال حكيم للإسكندر: احفظ عني ثلاثة خلال. صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك بترفقك، وضرك بنفعك. تثبت في سائر أمورك تحصل على الفوائد، وجانب العجلة فإنها بئست الخصلة المقاصد.

وأنشدوا:

وإذا أردت صواب أمر مشكل ... فتأن أمرك، فالتأني أصوب

ما أقوم فنانك لو استعملت في أمرك أنانك! ! وما أصلح شأنك لو رأيت في مرآة الاعتبار ما شانك! !

فينبغي للآمر الناهي أن يتأمر العواقب تأمل من لله يراقب، فمن سمت نفسه إلى تجشم رتب المعالي، وعلت همته إلى استخدام بيض الأيام وسود الليالي، تسربل بملابس التؤدة، لتكشف له موارد الخطل والخلل، ومقاصد أهل الزيغ والزلل ويعلم المفسد من المصلح في القول والعمل فتهون عليه عظائم الأمور، وتعظم مهابته في الصدور وتتجافى الناس أن يعاملوه بشيء من المحظور والمحذور. ومتى آثر السرعة على راحة التؤدة. فقد تعجل أغراق النار الموقدة وكان جديرًا بإنتقاص مبرم ما ذكر إليه، وإعراض الخلق بعد إقبالهم عليه، وآل أمره إلى ندامة يعض منها على يديه.

[فصل (١٨): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة]

ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، قصده نصح جميع الخلق، بأن يريد لغيره من الخير ما يريد لنفسه.

<<  <   >  >>