فكأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، طلبًا لاستصحاب الصفاء، ومداومة المحبة والوفاء، وخوفًا من تغير خاطره الشريف على أحد من أصحابه ومفارقة إخوانه وأحبابه.
وذكر أبو عمر بن عبد البر، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنه كان يقول:(إذا كان لك أخ في الله -تعالى- فلا تماره ولا تسمع فيه من أحد، فربما قال لك ما ليس فيه فحال بينك وبينه).
وأنشدوا:
إن الوشاة كثير إن أطعتم ... لا يرقبون بناء إلاَّ ولا ذمما
[فصل]
وذهب أبو الدرداء وجماعة من الصحابة والتابعين إلى عدم هجر الصديق والأخ في الله تعالى إذا ارتكب معصية ولم يقبل وعظه صديقه قال أبو الدرداء: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإنه يعوج مرة ويستقيم أخرى. قال بعض السلف: لا تقطع أخاك إلا بعد عجز الحيلة في إصلاحه وأنشدوا:
إذ أنت لم تشرب مرارًا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء فضًلا أن تعد معايبه
قال إبراهيم النخفي:(لاتقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب بذنبه فإنه يركبه اليوم ويتركه غدًا).
وقال أيضًا -لا تحدثوا الناس بزلة العالم، فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها.
وروى البغوي في المعجم، وابن عدي في الكامل، من حديث عمر بن عوف المزني مرفوعًا:"اتقوا زلّة العالم ولا تقطعوه".
وفي حديث زيد بن الأصم، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (قد سأل عن أخ كان) أخاه فخرج إلى الشام، فسأل عنه بعض من قدم عليه, فقال: ما فعل أخي؟ فقال: ذاك أخو الشيطان. قال له: مه، قال: إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر، قال إذا أردت