وإن قدر على دفع أحدهما دفع الأفسد فالأفسد والأرذل فالأرذل سواء قدر على دفع ذلك بيده أو بلسانه: مثل أن يتمكن الغازي من قتل واحد من المشركين بسهم ومن قتل عشرة برمية واحدة تنفذ في جميعهم فإنه يقدم رمي العشرة على رمي الواحد، إلا أن يكون الواحد بطلًا عظيم النكاية في الإسلام حسن التدبير في الحروب فيبدأ برميه؛ دفعًا لمفسدة بقائه، لأنها أعظم من مفسدة بقاء العشرة.
وكذلك لو قدر على أن يفتح فوهة النار أولى من قتل المائة، لما فيه من عظم المصلحة، فإن كان فتح الفوهة أخف من قتل المائة بالسلاح.
وكذلك تتفاوت كراهة المنكر بالقلوب ـ عند العجز - عن إنكاره باليد واللسان - بتفاوت رتبة فتكون كراهة الأقبح أعظم من كراهة ما دونه. والله أعلم).
[فصل - ٣٢ - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته]
ولا يسقط عن المكلف وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله؛ لقوله - تعالى -: {وذكِّر فإنَّ الذِّكرى تنفع المؤمنين}. فإنَّما عليه الأمر والنهي لا القبول؛ لقوله - تعالى -: {مَّا على الرسول إلاَّ البلاغ}.
واختلف العلماء - رضي الله عنهم - هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبة الظَّنِّ في إزالته؟
ففيه روايتان عن الإمام أحمد: إحدى الروايتين ليس من شرطه لظاهر الأدلة وجه الأولى قوله - تعالى -: {واصبر على ما أصابك}.
قال القاضي أبو يعلى - في كتاب المعتمد -: ويجب إنكار المنكر وإن لم يغلب في ظنه زواله في إحدى الروايتين نقلها أبو الحارث.