ثم قال:{ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله} أي طلبًا لرضاه {فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا} وسيأتي الكلام في الإصلاح بين الناس- في الباب التاسع- إن شاء الله- إن شاء الله- تعالى-.
فصل- ٥ - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم
وأما قوله- تعالى:{يا أيُّها الَّذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}.
قال المفسرون:(قوامين) مبالغة ليتكرر منكم القيام (بالقسط) وهو العدل فلا تعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، وألا تأخذكم في الحق لومة لائم ولا يصرفكم عنه صارف. وأن تكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
{شهداء لله} أي: في شهادتكم لله يعني لذاته ولوجهه ولمرضاته وثوابه- فحينئذٍ- تكون صحيحة عادلة حقًا خالية عن التحريف والتبديل والكتمان. ولهذا قال:{ولو على أنفسكم} أي: إقراره بالحقوق عليها.
وقيل: اشهد بالحق ولو عاد ضر الشهادة عليك.
ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثم ثنى بالأقربين، إذ هم مظنة المودة والتعصب. أي وإن كانت الشهادة على والديك وأقربائك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكمًا على كل أحد.
وهذه الآية صريحة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دالة على وجوبه حتى على الوالدين والأقربين، وأن يقول الحق على نفسه وعلى الناس أجمعين.
قال أهل التحقيق: نهى الله- تعالى- عن الجور والميل والظلم وأمر العدل وأن المرء لا يقول الحق ولو كان ذلك يعود عليه أو على أعز أهله (بضر)، فإن كلمة الحق مطلوبة، واجبة يقول الحق، ويعمل بالحق وهذا كله مفهوم من هذه الآية.