وسأل الإمام أحمد رجل. قال: أكون في المجلس تذكر فيه السنة ولا يعرفها غيري: افأتكلم بها؟ فقال: أخبر بالسنة ولا تخاصم عليها. فأعاد عليه القول: فقال: ما أراك إلاّ رجلًا مخاصمًا.
وهذا المعنى روي عن مالك فإنه أمر بالإخبار بالنسبة وقال: فإن لم يقبل منك فاسكت.
قال أبو حامد:(ومن اجتنب محظور السكوت عن المنكر، واستبدل عنه محظور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه فقد غسل الدم بالبول.
قال سالم بن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهم-: نظر عمر إلى رجل أذنب ذنبًا فتناوله بالدرة. فقال الرجل: والله يا عمر: لئن كنت أحسنت فلقد ظلمتني، ولئن كنت أسأت فما علمتني؟ قال: صدقت فاستغفر الله، دونك فاقتد من عمر. فقال: فلأهبها لله وغفر الله لي ولك، رواه أبن أبي الدنيا، وأما إذا وقعت على خطأ في غير أمر الدين فلا ينبغي ان ترده عليه فإنه يستفيد منك علمًا ويصير لك عدوًا إلاّ إذا علمت أنه يغتنم العلم. وذلك عزيز جدًا والله أعلم.
[فصل - (٢٣): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ]
وأما الدرجة الثالثة: فهي النهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله - عز وجل - وذلك فيمن يقدم على الأمر، وهو عالم بكونه منكرًا، أو فيمن أصرَّ عليه بعد أن عرف كونه منكرًا، كالذي يواظب على الشرب، أو على الظلم أو على اغتياب المسلمين، أو ما يجري مجراه فينبغي أن يوعظ، ويخوف بالله - تعالى - وتورد عليه الأخبار الواردة بالوعيد في ذلك، وتحكى له سيرة السلف وعبادة المتقين، وكل ذلك بشفقة ولطف من غير عنف وغضب؛ بل ينظر إليه نظر المترحم عليه، ويرى إقدامه على المعصية مصيبة على نفسه، إذ المسلمون كنفس واحدة كما سيأتي بيان ذلك فيما بعد - إن شاء الله.
ومن الناس من يستفزه الزهو والعجب، فإن وعظ عنَّف وان وعظ أنف. قال بعض