[فصل- ٤ - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى]
وأما قوله:{لا خير في كثير من نَّجواهم إلَّا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح بين النَّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا}.
فقال مجاهد: هذه الآية عامة في حق جميع الناس.
(فالنجوى) السر بين اثنين تقول: (ناجيت) فلانًا (مناجاة) وهي المسارة مصدر. وقيل: النجوى- (هاهنا) الرجال المتناجون وقد تسمى به الجماعة كما يقال قوم (عدل) ورضى و (من) في موضع رفع أي: لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ففي نجواه خير.
وقيل: النجوى ما ينفرد بتدبير قوم سرًا أو جهرًا فيكون المعنى: لا خير في كثير مما يدبرونه بينهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.
وقال أبو إسحاق الزجاج وجماعة: النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنان كان ذلك سرًا أو جهرًا. وقوله (أمر) أي دعا إلى ذلك وحث عليه.
والصدقة على قسمين: صدقة على النفس وصدقة على الغير، فالصدقة على النفس حملها على أداء حقوق الله- تعالى-، ومنعها عن مخالفة أمره وتقصير يدها عن أذية الخلق، وصون (خواطرها) وعقائدها عن السوء للناس.
وأما الصدقة على الغير فصدقة بالمال وصدقة بالقلب، وصدقة بالبدن، فالصدقة بالمال بإنفاق النعمة، والصدقة بالبدن بالقيام لهم بالخدمة، والصدقة بالقلب: بحسن النية وتوكيد الهمة.
(والمعروف كل حسن في الشرع قال- صلى الله عليه وسلم-: (كل معروفٍ صدقة) ومن ذلك إنجاد المسلمين وإسعادهم فيها لهم فيه قربة إلى الله- تعالى- وزلفى لديه).
وقال مقاتل: المعروف عن الفرض. فمن تصدق وأمر بمعروف وأصلح بين الناس فإن لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه. والفتوة أن يسعى الإنسان لغيره- وقد نفى سبحانه الخير عن تارك ذلك.