للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال "إبليس": انت رجل فقير ولا شيء لك إنما أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخواتك وتواسي جيرانك وتستغني عن الناس؟

قال: نعم. قال: فأرجع عن هذا الأمر ولك أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين إذا أصبحت أخذتهما وأنفقت على نفسك وعلى عيالك وتصدقت على إخواتك، فيكون ذلك أنفع لك وللناس من قطع الشجرة التي يغرس مكانها فلا يضرهم قطعها ولا ينفع إخواتك المؤمنين قطعك إياها!

ففكر العابد فيما قال. وقال: صدق الشيخ لا يلزمني قطع هذه الشجرة ولا أمرني الله أن أقطعها فأكون عاصيًا بتركها، وما ذكره الشيخ اكثر منفعة فعاهده على الوفاء بذك وحلف له، فرجع العابد إلى معبده فبات فلما أصبح رأى العابد دينارين تحت رأسه فأخذهما وكذلك في اليوم الثاني، فلما أصبح في الثالث والرابع لم (ير) شيئًا، فغضب، فأخذ فاسه على عاتقه فاستقبله "إبليس" في صورة الشيخ فقال: إلى أين؟ فقال: أقطع تلك الشجرة، فقال: كذبت والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك عليها.

قال:

فتناوله العابد، ليأخذه كما فعل أول مرة فقال "إبليس" له: هيهات فأخذه فصرعه فإذا هو كالعصفور بين رجلي "إبليس" وقعد على صدره. وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به. قال: يا هذا غلبتني فخل عني وأخبرني كيف غلبتك أولًا وغلبتني الآن؟ قال: لأنك غضبت اول مرة لله- تعالى- وكانت نيتك الآخرة فصرعتني، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك.

[فصل (٩): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر]

ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بل لكل أحد الرفق والحلم والعفو.

أما الرفق فقال الله- تعالى- في سورة البقرة: { ... وقولوا للنَّاس حسنًا ... } وقال في سورة آل عمران: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لأنفضُّوا من حولك ... }.

<<  <   >  >>