أن تنسب إليهم، خوفًا من الرباء والسمعة وكانوا من ذلك براء، لشدة إخلاصهم ومراقبتهم لربهم في أعمالهم.
وقال الإمام الشافعي: وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم ولا ينسب إلى منه شيء.
وقال- أيضًا-: ما ناظرت أحدًا قط فأحببت أن يخطئ.
وقال- أيضًا-: ما كلمت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان وتكون عليه رعاية من الله- تعالى.
والحق اليوم مع عدم الإخلاص والصفاء، وقلة اليقين وكثرة الجزع من الخلق والطمع فيما في أيديهم من المال، وما يتوقع عندهم من الجاه والرياسة، نحب أن نسمع ما نلقيه من الأمر والنهي والتعليم، ونخبر به ويصدر عنا بل ينسب إلينا من ذلك ما يفعله غيرنا، ويجريه الله على يديه من الخير، وأن يشاع عنا كل ذلك ويذاع في الأفطار. . فإذا قيل من أحدنا: أن فلان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، أو عالم أو صاحب فهم، توهمت نفسه أن ذلك حق وأنه الآمر بالمعروف كما قالوا.
فمثل هذا مثل نائم يرى في منامه ما يسره ويعجبه، فيفرح ويسر ويخيل إليه أن ذلك حق ثم ينتبه من نومه فلا يجد شيئًا مما رآه. فكذلك هذا لما رأى وسمع ما قيل عنه حسب نفسه كما قالوا. فلو تيقظ من هذه السنة والغفلة التي وقع فيها، ونظر إلى ما ميز الله به العلماء المتقدمين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من المهم العالية، والأفهام السامية والتقوى المتينة وإتباعهم- في أمورهم- سيد المرسلين، لتلاشى عنده ما هو فيه وما نسب إليه، ووجده قطرة من بحر، لكثرة ما يجد عند من تقدمه من الفضائل والصفات الجميلة، وما يجد في نفسه من التقصير والتلبيس بالصفات الذميمة. والله أعلم.
فصل (١): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه، ويقطع الأعضاء المتأكله وبالحجامة وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك وما يدخله عليه من المشقة ينوي له به الراحة في الآخرة الأرض كانت نية صالحة وقصدًا حسنًا وحصل له- حينئذ- النصر والظفر.