مصر فهذه التقسيمات تحصل منها ثلاثة أقسام ولكل قسم منها رتبة وبعضها أشد من بعض:
القسم الأول: وهو أشهدها -ما تضرر به الناس كالظلم والغصب وشهادة الزور والغيبة والنميمة. فهؤلاء الأولى الإعراض عنهم وترك مخاطبتهم والانقباض عن معاملتهم لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق.
ثم ينقسمون إلى من يظلم في الدماء والى من يظلم في الأموال والى من يظلم في الأعراض وبعضها أشد من بعض فالاستحباب في إهانتهم والإعراض عنهم مؤكد جدًا.
القسم الثاني: الذي يهيئ أسباب الفساد ويسهل طرقه على الخلق فهذا لا يؤذي الخلق في دنياهم وهو أخف من الأول فإن المعصية بين العبد وبين الله إلى العفو أقرب ولكن من حيث أنه متعد على الجملة -إلى غيره فهو شديد وهذا أيضًا يقتضي الإهانة والإعراض والمقاطعة وترك جواب السلام إذا ظن أن فيها نوعًا من الزجر له أو لغيره.
الثالث: الذي يفسق في نفسه بشرب خمر أو ترك واجب أو مقارنة محظور يخصه فالأمر فيه أخف ولكن وقت مباشرته إن صودف فيجب منعه بما يمتنع منه ولو بالضرب والاستخفاف فإن النهي عن المنكر واجب. وإذا فرغ منه وعلم أن ذلك من عادته وهو مصر عليه فإن تحقق أن نصحه يمنعه من العود وجب النصح وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجو فالأفضل النصح والزجر بالتلطف أو بالتغليظ إذا كان هو الأنفع، فأما الإعراض ع ن جواب سلامه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يضر وأن النصح ليس ينفعه فهذا فيه نظر والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف نية الرجل.
فصل (٢٨): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم.
والهجر يختلف باختلاف المهجورين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود زجر المهجور وتأديبه وزجر العامي عن مثل حاله، فإن كانت مصلحته تلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته كان مشروعًا وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر يضعف بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته