لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض التأمل أنفع من الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف.
قال أبو عبد الله بن مفلح وظاهر كلامهم يعني أصحاب "أحمد" أو صريحه من النشوز -بتحريم الهجر لخوف المعصية على المرأة ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف أقوامًا ويهجر آخرين وقد يكون المؤلفة قلوبهم أشر حاًلا في الدين من المهجورين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرًا من أكثر المؤلفة قلوبهم لمكان هؤلاء لأنهم كانوا سادة مطاعين في عشائرهم وكانت المصلحة الدينية في تألف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين: والمؤمنون سواهم كثيرون عزيزون فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم. كما أن الشروع في الغدر والقتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة. كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.
كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وإيلائه منهن شهرًا كما في الحديث المشهور فقد كان في ذلك مصالح كثيرة في الدين وكما فعل كثير من السلف.
وقد ذكر محمد بن عمر الواقدي -رحمه الله- عن رجل هجر رجًلا حتى مات فقال: هذا شيء تقدم فيه قوم منهم سعد بن أبي وقاص كان مهاجرًا لعمار بن ياسر حتى مات وعثمان بن عفان كان مهاجرًا لعبد الرحمن بن عوف وعائشة كانت مهاجرة لحفصة وطاووس مهاجرًا لوهب بن منبه حتى مات.
وقال أبو بكر الخلال في كتاب المجانبه: كان أبو عبد الله يعني الإمام أحمد يهجر أهل المعاصي ومن قارن الأعمال الرديئة أو تعدى وهجر بعض أصحابه وكان يتردد إليه سنين وصار لا يكلمهن فلم يزل يسأله تغير حاله وهو لا يذكر حتى قال: بلغني أنك طينت حائط جارك من جانب الشارع فقد أخذت قدر سمك الطين من الطريق وهو أنملة من شارع المسلمين فلا تصلح لتعلم العلم ونقل عنه أبو بكر المروزي في سقف البيت يكون فيه الذهب بجانب صاحبه؟ .
قال: يجفي صاحبه: وقال-في رواية- إذا علم أنه مقيم على معصيته وهو يعلم بذلك لم يأثم إن جفاه حتى يرجع وإلا كيف يتبين للرجل ماهو عليه إذا لم ير منكرًا ولا جفوة من صديق.