وإن تفرقت جمعيته إذا كان العبد مطالبًا بذلك العمل، أما إذا لم يطالب فرعاية الجمعية أفضل وأولى من رعايته غيرها.
ومثاله إذا رأى مظلومًا وأمكنه نصرته باليد واللسان بلا فتنة وشر يترتب على نصرته وله جمعية وحال يعلم أنها تتفرق بنصرته، فليقدم النصرة على الجمعية، لأنها مراد الرب سبحانه - منه في ذلك الوقت وذلك الموطن. فكذا اذا راي منكرًا وقد انتهكت المحارم وله جمعية يعلم تفرقتها في إقامة دين الله فليقم بدين الله، ولا يلتفت إلى الجمعية، فإن إقامة الدين هي مراد الرب في هذا الموطن وفي هذا الوقت وأمثال ذلك، فكما أنه يتلذذ بالجمعية مع الله فنبغي أن بتلذذ بالتفرقة إذا جاء أمر الله، فإن الجمعية لله، والتفرقة لله، فيكون الفرح (برضى) الله لا بغير ذلك. كما قال الإمام العارف عماد الدين أحمد الواسطي وغيره).
قال أبو حامد - رحمه الله -: (وإن كان الاشتغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنعه عن الكسب الذي هو قوته، فإن كان معه مقدار كفايته لزمه الاشتغال بذلك، ولم يجز له ترك الإنكار لطلب زيادة الدنيا، فإن كان محتاجًا إلى الكسب لقوت يومه فهو عذر له فيسقط الوجوب عنه، لعجزه عنه انتهي).
وسيأتي الكلام على ما يسقط به وجوب الأمر بالمعروف.
فصل - ٣١ - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه
قال الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام: (من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا، أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديين فقال قام بحق نفسه، وحق ربه، وحق من تعدي إليه ذلك. والقرآن مشحون بالترغيب في هذا النوع.
ثم قال - في مكان آخر - كل مطيع لله محسن إلى نفسه فإن كان إحسانه متعديًا إلى غيره تعدد أجره بتعدد من تعلق به إحسانه وكان أجره على ذلك مختلفًا باختلاف ما تسبب إليه من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإن كان إمامًا فهو محسن إلى نفسه، وإلى كل من تعلق به إحسانه من رعيته وأعوانه وأنصاره وولاته وقضاته، وإن كان حاكمًا فهو محسن إلى نفسه بطاعة ربه، وإلى المدعو إن كانت له حجة فقد نصره بإيصال حقه إليه، وإلى المدعى