ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يواجه أحدًا بما يكره، بل كانت تعرف الكراهة في وجهه-كما تقدم- وسيأتي-في هذا الباب- قول أبي سليمان الداراني من روايه البيهقي- في الشعب- إنما الغضب علي أهل المعاصي لجرأتهم عليها, فإذا تذكرت ما يصيرون اليه من عقوبة الآخرة دخلت قلوب الرحمة إليهم.
فينبغي- حينئذ- للمؤمن أن يغضب لله- سبحانه- إذا انتهكت حرماته, لكن يكون غضبه غير مخرج حد للإنحراف, إلى قول ما لا يحل وفعل ما لا يجوز له.
وروى الطبراني- في المعجم الصغير- من حديث أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث من اخلاق أهل الإيمان, من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق, ومن إذا قدر لم (يتعاط) ما ليس له).
ومن وصيه محمد بن جعب القرظي, لعمر بن عبد العزيز- رحمة الله عليهما- (ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله- عز وجل- من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل, وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق, وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
وأنشدوا:
وإذا غضبت فكن وقورًا كاظمًا ... للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فكفى به شرفًا تصبر ساعة ... يرضى بها عنك الإله ويدفع
(فإن قيل: كيف أغضب علي من أمرت أن أتواضع له, وأترك التكبر عليه) - كما سيأتي بعد-؟
قيل. تغضب لمولاك وسيدك, إذا أمرك أن تغضب لا لنفسك. وأنت في غضبك لا تري نفسك ناجيًا, ومن تأمره وتغضبه عليه هالكًا. بل يكون خوفك علي نفسك بما علم الله من خفايا ذنوبك أكثر من خوفك عليه مع الجهل بالخاتمة. وليس من ضرورة الغضب لله أن تتكبر علي المغضوب عليه وترى قدرك فوق قدره. ومثال ذلك: أنه إذا كان للملك غلام وولد هو قرة عينه وقد وكل الغلام بالولد, ليراقبه وأمره أن يغضب عليه ويضربه إذا أساء أدبه, وأشتغل بما لا يليق به, فإن كان الغلام مطيعًا محبًا لمولاه فلا يجد بدًا من أن يغضب عليه, إذا رأى ولده قد أساء الأدب, وإنما يغضب عليه لمولاه ولأنه أمره به وهو يريد التقرب بامتثال أمره, ولأنه يرى من ولده ما يكره مولاه فيضرب ولده, ويغضب من غير