وقال بعض الصوفية: نظرت إلى غلام نصراني حسن الوجه فوقفت أنظر إليه فمر بي ابن الجلاء الدمشقي، فأخذ بيدي فاستحسنت ذلك منه وقلت: يا أبا عبد الله سبحان الله تعجبت لهذه الصورة وهذه الصنعة المحكمة، كيف خلقت للنار! ! فغمز يدي. وقال: لتجدن عقوبتها بعد حين. قال: فعوقبت بعد ثلاثين سنة. قال: أبو سليمان الداراني: الإحتلام عقوبة.
وقال - أيضًا -: لا يفوت أحد صلاة جماعة إلاّ بذنب يذنبه. والأخبار كثيرة في آثار الذنوب في الدنيا من الفقر والمرض وغيره بل من شؤم الذنب - في الجملة - أن يكتسب ما بعده فإن ابتلى بشيء كان عقوبة له، ويحرم جميل الرزق، حتى يتضاعف شقاؤه، وإن أصابه نعمة كان استدراجًا ويحرم جميل الشكر حتى يعاقب على كفرانه.
النوع الرابع: من صفة الوعظ أن يذكر ما وقع من العقوبات على آحاد الذنوب في محله كالخمر والزنا والسرقة والقتل والغيبة والكبر والحسد وغير ذلك مما لا يمكن حصره.
وذكره مع غيره أهله، وضع للدواء في غير محله بل ينبغي أن يكون الآمر الناهي بالوعظ كالطبيب الحاذق يتدل أولًا بالنبض والسحنة ووجوه الحركات على العلل الباطنة ويشتغل بعلاجه ويستدل بقرائن الأحوال على خفايا الصفات، ويضع كل شيء في محله اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال له رجل: أوصني ولا تكثر علي. فقال: لاتغضب.
وقال آخر: أوصني فقال: (عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنّ ذلك هو الغنى، وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وصل صلاة مودع وإياك وما يعتذر منه).
وروى الحديث الأول البخاري، ومالك، وأحمد، والترمذي من حديث أبي هريرة - كما سيأتي في الباب الرابع إن شاء الله- تعالى-.
وروى الحديث الثاني - ابن ماجه، والحاكم من حديث أبي أيوب الأنصاري. فكأنه -صلى الله عليه وسلم- توسم في السائل الأول مخايل الغضب فنهاه عنه، وفي السائل الآخر مخايل الطمع