للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله - تعالى -: { .. فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} إلى غير ذلك وإن ذلك لم يرد به القرآن والأخبار ورود الإسمار بل الغرض منه الاعتبار والاستبصار ليعلم أن الأنبياء لم يتجاوز عنهم في الذنوب الصغار فكيف يتجاوز عن غيرهم بأن عوجلوا بالعقوبة، ولم يؤخروا إلى الآخرة .. فهذا - أيضًا - مما ينبغي عليه أن يكثر منه على أسماع المصرين، فإنه نافع في تحريك دواعي الانكفاف، والإقلاع عن المعاصي بالتوبة.

النوع الثالث: أن يقرر - عندهم - أن تعجيل العقوبة في الدنيا متوقع على الذنب، وأن كل ما يصيب العبد من المصائب فهو بسبب جناياته فكم من عبد يتساهل في أمر الآخرة ويخاف من عقوبة الله في الدنيا أكثر لفرط جهله. فينبغي أن يخوف به، فإنّ الذنوب كلها يتعجل شؤمها في الدنيا. كما جرى لداود وغيره ممن تقدم ذكره حتى يضيق على العبد رزقه بسبب ذنبه. كما روى ابن ماجه، والحاكم وصححه من حديث ثوبان مرفوعًا ( .. إن الرجل ليحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه ... ).

وقال ابن مسعود: إني لأحسب أن العبد ينسى العمل بذنب يصيبه.

وقال بعض السلف: ليست اللعنة سوادًا في الوجه ونقصًا في المال إنما اللعنة ألا تخرج من ذنب إلاّ وقعت في مثله أو شرًا منه. لأن اللعنة هي الطرد والإبعاد، فإذا لم يوفق للخير، ويتيسر له الشر فقد أبعد، والحرمان عند رزق التوفيق أعظم حرمان وكل ذنب يدعو إلى ذنب أخر يتضاعف فيحرم العبد به من رزقه النافع في مجالسة العلماء والصالحين فيمقتونه.

وحكي عن بعض العارضين: أن رجلًا كان يمشي جامعًا ثيابه محترزًا حتى زلقت رجله وسقط في وحل فقام وهو يمشي في وسط الوحل ويبكي ويقول: هذا مثل العبد لا يزال يتوقى الذنوب ويخافها، حتى يقع في ذنب وذنب فعند ذلك يخوض الذنوب خوضًا. وهذه إشارة إلى أن صاحب الذنب يتعجل عقوبته بالإنجرار إلى ذنب آخر.

ولذلك قال الفضيل بن عياض: ما أنكرت من تغير الزمان وصفاء الإخوان فذنوبك أورثتك ذلك.

وقال بعضهم: إني لأعرف عقوبة الذنب في سوء خلق حماري.

<<  <   >  >>