قال بعض العارفين: لا يزداد المؤمن بنفسه ضعفًا إلاّ ازداد بقلبه قوة، لأن الاستقلال بقوة النفس نتيجة الغفلة، وقوة القلب بالله -سبحانه- على الحقيقة انتهى.
وإنما جاز له الإقدام على القتال مع علمه انه يقاتل حتى يقتل، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراته، واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة بالحياة، وحبهم للشهادة في سبيل الله، فتنكسر- بدلك - شوكتهم، فكذلك مجوز للأمر بالمعروف والناهي عن المنكر بل يستحب أن يعرض نفسه للضرب والقتل، إذا كان لأمره ونهيه تأثير في رفع المنكر، أو في كسر جاه الفاسق، أو في تقوية قلوب أهل الدين.
قال أبو طالب عمر من الربيع - في كتابه -: واعلم أن أهل العلم قد أقاموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقام الجهاد، لان مع المسلمين من المعاصي وما يخاف عليهم من النار أفضل من قتال الكفار على كفرهم فأخذ أهل العلم بالآية التي أنزلها الله في الجهاد فجعلوها دليلًا لهم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إذا كان عندهم أفضل الجهاد {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} كان ذلك في أول الإسلام، إذ جعل الله في المؤمنين من القوة ما تقوم العشرة منهم بالمائة من الكفار فلما دخل في الإسلام من لم يكن شدتهم - في الدين- مثل أولئك، وهم السابقون الأولون خفف الله عنهم ذلك فقال:{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم} والضعف الذي علمه فيهم إنما هو في الذين آمنوا بعد. فعلى هذا يجري الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي يقوم الواحد بالاثنين. انتهى.
قول أبي طالب: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم أجرًا من الجهاد، دليله ما سبق من حديث طارق بن شهاب - رضي الله عنه- (أنَّ رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد وضع رجله بالغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر).
قال أبو طالب - واعلم أن الضعف ليس بحجة لأهله في ترك ما لزمهم من القيام بالأمر والنهي، وإنما دخل عليهم الضعف من كثرة الذنوب، وقد ثبتت عليهم الحجة بما وعدهم الله من النصرة. بقوله:{يا أيها الذين أمنوا عن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.