للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو الفرج بن الجوزي: (من تستر بمعصيته في داره، وأغلق بابه، لم يجز أن يتجسس عليه، إلاّ إن ظهر ما نعرفه كأصوات المزامير والعيدان، فلمن سمع ذلك أن يدخل ويكسر الملاهي. وإن ظهرت روائح الخمر، فالأظهر جواز الإنكار.

وقال محمد بن أبي حرب: سألت أبا عبد الله عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه؟ قال: يأمره: فإن لم يقبل يجمع عليه الجيران ويهول عليه. ونقل جعفر عن الإمام أحمد فيمن يسع صوت الغناء في طريق.

قال: هذا قد ظهر عليه فله أن ينهاهم، ورأى أن ينكر الطبل، يعني إذا سمح صوته.

قيل له: مررنا بقوم أشرفوا من علية لهم يغنون فجئنا صاحب الخبر فأخبرناه فقال: لم تتكلموا في الموضع الذي سمعتم؟ فقيل: لا قال: كان يعجبني أن تتكلموا.

قال ابن مفلح: (وهذا يعني ما ذكره الأصحاب - في باب الوليمة - أنه يلزم القادر الحضور والإنكار وإلاّ لم يحضر وانصرف). انتهى.

والمقصود أن يكون المنكر برؤية عين المنكر أو شهادة عدلين وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - كان يعس بالمدينة ذات ليلة فرأى رجلًا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد، فلما أصبح قال للناس: (أرأيتم لو أن إمامًا رأى رجلًا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد، فلما أصبح قال للناس: (أرايتم لو أن إمامًا رأى رجلًا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين)؟ فقالوا: إنما أنت إمام. فقال علي: ليس ذلك لك، إذًا يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن على هذا الأمر أهل من أربعة شهداء ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الأولى وقال مثل مقالته.

قال هذا الغزالي وهذا يشير إلى أن عمر كان مترددًا في أن الوالي هل له أن يقضي بعلمه في حدود الله؟ فلذلك راجعهم في معرض الفتوى لا في معرض الإخبار خفية من أن (لا) يكون له ذلك.

فمال رأي علي إلى أنه ليس له ذلك. وهذا من أعظم الأدلة على ستر عورات المسلمين كما سيأتي في مكانه من الباب الرابع-.

(وقد شاور عمر الصحابة - رضي الله عنهم - وهو على المنبر وسألهم عن الإمام إذا

<<  <   >  >>