قال صاحب "بهجة الأسرار ومعدن الأنوار": أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر الأمهري. قال: سمعت قاضي القضاة أبا نصر قال: سمعت أبي عبد الرزاق يقول: خرج والدي يعني الشيخ محي الدين عبد القادر الكيلاني - قدس الله روحه - يومًا إلى صلاة الجمعة وأنا وإخواني عبد الوهاب وعيسى فرأينا في الطريق ثلاثة أحمال خمر للسلطان وقد فاحت رائحتها واشتدت ومعها صاحب للشرط وأعوان الديوان. فقال لهم الشيخ: قفوا فلم يقفوا وأسرعوا في سوق الدواب. فقال الشيخ للدواب: قفي فوقفت مكانها كأنها جمادات، وضربوها ضربًا عنيفًا، فلم تتحرك من موضعها، وأخذهم القولنج وجعلوا يتقلبون على الأرض يمينًا وشمالًا من شدة الوجع.
فضجوا بالشيخ، وأعلنوا التوبة والاستغفار، فزال عنهم ذلك في نفس الوقت، وانقلبت رائحة الخمر برائحة الخل، ففتحوا الأواني فإذا هي خل ومشت الدواب، فعلت أصوات الناس بالضجيج وذهب الشيخ إلى الجامع، وانتهى الخبر إلى السلطان فبكى رعبًا، وارتدع عن فعل كثير من المحرمات، وحضر إلى زيارة الشيخ، وكان يجلس بين يديه متصاغرًا ودخل عليه - قدس الله روحه - شيخ ومعه شاب وقال له: ادع لهذا، فإنه ولدي، ولم يكن ولده، بل كان على سريرة غير صالحة، فغضب الشيخ، وقال: بلغ أمركم معي إلى هذا الحد، ودخل داره، ووقع الحريق في أرجاء بغداد من وقته وكلما طفى مكان اشتعلت النار في مكان آخر، ورؤي البلاء نازلًا على بغداد كقطع الغمام بسبب غضب الشيخ.
راوي القصة عنه - فأسرعت بالدخول إليه، فوجدته على حاله مغضبًا فجلست إلى جانبه، وجعلت أقول له: يا سيدي ارحم الخلق، قد هلك الناس حتى سكن غضبه، فرأيت البلاء قد انكشف وانطفأ الحريق كله.
وكان الشيخ القطب العارف أبو عبدالله، محمد القرشي أحد الأولياء المشهورين بالبلاد المصرية - قدس الله روحه - (مبتلى) في جسده، ومات بالقدس الشريف ودفن بمقبرة ماملا. وكان يقول لأصحابه: إنكار المنكر بالباطن من حيث الحال أتم من إنكاره بالظاهر من حيث القال فقيل له: أرنا آية ذلك؟ فقال لصاحبه الشيخ أبي عبد الله القرطبي: أجلسني على دكة على الطريق فأتى به إلى المسجد الذي عند مفترق الطريق بين مصر والقاهرة فأجلسه على دكته فعبر بغل عليه جرار خمر، فأعلمه "القرطبي" به فأشار الشيخ إلى الحمل بإصبعه هو هذا فعثر البغل وانكسرت الجرار.