ثم قال- رحمه الله - ونحن نجوز للآحاد من الغزاة أن يجتمعوا ويقاتلوا من أرادوا من فرق الكفار، قمعًا لأهل الكفر فكذلك قمع أهل الفساد جائز، لأن الكافر لا بأس بقتله، والمسلم إن قتل فهو شهيد، وكذلك الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر المحق إذا قاتل الفاسق المناضل عن فسقه وقتل مظلومًا فهو شهيد وعلى الجملة: فانتهاء الأمر إلى هذا من النوادر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يعتبر به قانون القياس بل يقال: كل من قدر على دفع منكر فله أن يدفع ذلك. بيده وبسلاحه وبنفسه وبأعوانه، فالمسألة إذًا محتملة. والله أعلم.
والمقصود: أن المنكر يبدأ بالأسهل والأرفق فإن لم يزل المنكر وزاد بقدر الحاجة: فإن لمن ينقطع أغلظ فيه فإن زال وإلاّ دفعه إلى ولي الأمر- كما سبق: -
وإذا انجر الأمر إلى الاستعانة فلا يستعان بأهل الأهواء والبدع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا في شيء من أمور المسلمين.
قال أبو الحسين بن أحمد بن الفضل: (دخلت على أحمد بن حنبل - رحمه الله - فجاء رسول الخليفة، فسأله عن الاستعانة بأهل الأهواء فقال "أحمد" لا يستعان بهم.
فقال: يستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بهم؟ قال: إن اليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم وأصحاب الأهواء داعية، ذكره البيهقي في مناقب أحمد، وكذلك ابن الجوزي.
قال أبو العباس بن تيمية: فالنهي عن الاستعانة بالداعية لما فيه من الضرر على الأمة. انتهى.
قال ابن مفلح: وهو كما ذكرنا - في جامع الخلال - عن الإمام أحمد أن أصحاب بشر المريسي وأهل البدع والأهواء لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين فإن في ذلك أعظم الضرر على الدين والمسلمين.
وروي البيهقي في مناقب أحمد بن حنبل، عن محمد بن أحمد بن منصور المروذي: (أنه استأذن على أحمد بن حنبل، فأذن فجاء أربعة رسل المتوكل يسألونه، فقالوا: الجهمية يستعان بهم على أمور السلطان أولى أمر اليهود والنصارى. فقال أحمد: أما الجهمية فلا يستعان بهم على أمور السلطان قليلها ولا كثيرها، وأما اليهود والنصارى فلا بأس أن يستعان