للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم رواه من طريق آخر، عن قتادة:

وقال بعض السلف: أحوج الناس إلى النصيحة الملوك، لما ابتلاهم الله به من سياسة الخلق وأوجب عليهم من القيام بالحق.

وأما ما يفعله كثير من الناس من إهمال ذلك في حق كبار المراتب، ويتوهم أن ذلك حياء فخطأ صريح، وجهل قبيح، فإن ذلك ليس بحياء، وإنما هو جور ومهانة وضعف وعجز، فإن الحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، وهذا يأتي بشر فليس بحياء. وإنما الحياء- عند المحققين والعلماء الربانيين- خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.

كما قال أبو القاسم الجنيد بن محمد- قدس الله روحه-: الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، فتتولد بينهما حالة تسمى حياء. والله أعلم.

(وأما نصيحة عامة المسلمين- وهم من عدا ولاة الأمور- فعلى المسلم أن يكون ناصحًا لإخوانه المسلمين، يقصد ما هو أصلح لهم من إرشاد لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وإعانتهم على ذلك بالقول والفعل، وأمرهما بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وستر عوراتهم، ورفع المضار عنهم، وجلب المنافع إليهم، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غيبتهم والذب عن أعراضهم وأموالهم وغير ذلك بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع هذه الصفات وتنشيط هممهم إلى الطاعات. ومجموع ذلك كله ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه).

<<  <   >  >>