فهؤلاء الذين ذمهم الله تعالى في هذه الآية الكريمة لم يتركوا الأمر بالمعروف بل أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر لكنهم لم ينأوا عن الفساق ولا هجروهم وجلسوا معهم فلعنهم الله على لسان داود وعيسى ابن مريم.
فمن لم يهجر من خالف الله ورسوله وارتكب المعاصي خيف عليه أن يحل به ما حل بأحبار بني إسرائيل فقد خوفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل بنا ما حل بهم إن فعلنا مثل فعلهم.
وروى نعيم بن حماد -بسنده- عن الحسن مرسًلا اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدًا ولا نعمة فإني وجدت فيما أوحاه الله -إني لا أجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله. ورواه أحمد وقال الحسن أيضًا: مصارمة الفاسق قربان إلى الله تعالى.
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن إبراهيم بن أدهم، عن ابن عباس الخرساني عن سعيد بن المسيب -رحمه الله عليه- أنه قال: لاتملؤا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم لكي لا يحبط أعمالكم الصالحة.
والمقصود أنه يستحب أو يجب هجران من جهر بالمعاصي لما تقدم من هذه النصوص وغيرها وأن يكفر في وجهه.
وأنشد أبو عبد الله بن عبد القوي:
وهجران من أبدى المعاصي سنة ... وقد قيل إن يردعه أوجب وأكد
وقيل على الإطلاق مادام معلنا ... ولاقه بوجه مكفهر معربد
قوله (إن يردعه) أي إن كان الهجر يردع المهجور.
وقوله:(مكفهر) أي معبس. وقد أكفهر الرجل إذا عبس وفلان مكفهر اللون: إذا ضرب لونه إلى الغبرة. والمكفهر من السحاب: الأسود الغليظ الذي ركب بعضه بعضًا.
قال الجوهري وغيره والله أعلم. قال ابن مفلح: ولا هجر مع السلام.
وقد روى أبو حفص العكبري بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا "السلام يقطع الهجران".