وهذا -أيضًا- جاء في حديث ابن عمر من رواية الصحيحين، وأحمد والترمذي وابن ماجه "لا حسد إلا في اثنين". لأنه لما رأى قارئ القرآن قائمًا بأمر الله عامًلا بالقرآن آناء الليل وأطراف النهار تمنى مثل منزلته وأن يعمل بمثل عمله وكذلك لما رأى صاحب المال تصدق من ماله وأنفق منه في وجوه الخيرات والقربات تمنى أن يكون له مال حتى يعمل مثل عمله فتنفعه صحبة هذين الرجلين لأنه اكتسب مما رآه منهما من الأعمال الصالحة اليقظة وأحب أن يعمل بمثل عمله وإما أن تسمع منه خيرًا ولا تسمع منه ما تأثم به فصحبة مثل هذا أو الجلوس معه هي النافعة.
وضد هذا الذي يخوض في آيات الله بالرد والضد والتكذيب والاستهزاء وهو الذي نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجالسه وأمره بالقيام من مجلسه ولا يقعد معه كما تقدم وذلك من مفهوم هذه الآية:{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم}. فأمره صلى الله عليه وسلم بمتاركتهم والقيام عنهم بل الأمر بالقتال وإذا كان حديث هؤلاء في المباح فهو مخير بين الجلوس معهم وبين عدم ذلك.
وفي الأول منهي عن جلوسهم ولا يقعد معهم أصًلا إلا إ ذا كان ناسيًا وندب إلى أن المؤمن إذا رأى من كان كذلك أن يعظه ويأمره بالمعروف وينهاه عن الخوض فيما لا يعنيه ولأن سبحانه أمر بموعظة من كان كذلك وتذكيره ونهاه عن الخوض {ولكن ذكرى لعلَّهم يتَّقون}. وروى الحافظ أبو نعيم -بسنده- عن مبارك أبي حماد قال: سمعت سفيان الثوري يقول لعلي بن الحسن السلمي: إياك وما يفسد عليك عملك وقلبك فإنما يفسد عليك قلبك مجالسة أهل الدنيا وأهل الخوض وإخوان الشياطين الذين ينفقون أموالهم في غير طاعة الله وإياك وما يفسد عليك دينك مجالسة ذوي الألسن المكثرين للكلام وإياك وما يفسد عليك معيشتك، فإنما يفسد عليك معيشتك أهل الخوض وأهل الشهوات وإياك ومجالسة أهل الجفاء ولا تصحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي ولا تصحب الفاجر ولا تجالسه ولا تجالس من يجالسه ولا تؤكل من يؤاكله ولا تحب من يحبه ولا تفش إليه سرك ولا تبسم في وجهه ولا توسع له في مجلسك فإن فعلت له شيئاً من ذلك فقد قطعت عرى الإسلام.