للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفناء بيته بمكة جالسًا، إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا تجلس؟ قال: بلى. قال: فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستقبله فبينما هو يحدثه إذ شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببصره إلى السماء فنظر ساعة إلى السماء وأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره وأخذ ينفض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له وابن مظعون ينظر فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء- كما شخص أول مرة فأتبعه بصره حتى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان". بجلسته الأولى قال: يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة قال: وما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني وأخذت تنفض رأسك كأنك تستفقه شيئًا يقال لك. قال: وفطنت لذلك؟ قال: "عثمان": نعم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتأتي رسول الله آنفًا وأنت جالس. قال رسول الله. قال نعم. قال فما قال لك؟ قال: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} قال: عثمان فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدًا -صلى الله عليه وسلم-".

ورواه أحمد -أيضًا- بسنده عن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- قال: كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا إذ شخص ببصره. فذكر نحوه مختصرًا.

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: إن أجمع آية في القرآن {إن الله يأمر بالعدل والإحسان ... }.

وقال جماعة من العلماء: هذه الآية أجمع آية في القرآن للحث على المصالح كلها وللزجر عن المفاسد بأسرها، فإن الألف واللام في العدل والإحسان للعموم والاستغراق فلا يبق من دق العدل وجله شيء إلا اندرج في قوله: {إن الله يأمر بالعدل}. ولا يبق من دق الإحسان وجله شيء إلا اندرج في أمره بالإحسان والعدل.

وكذلك الألف واللام -في الفحشاء، والمنكر، والبغي- عامة مستغرقة لأنواع الفواحش ولما ينكر من الأقوال والأعمال وإفراد البغي وهو: ظلم الناس بالنهي عنه مع اندراجه (في الفحشاء والمنكر للاهتمام به كما أفرد إيتاء ذي القربى بالذكر مع اندراجه) في العدل والإحسان اهتمامًا بصلة الأرحام.

<<  <   >  >>