وفي حديث ابن عباس -المتقدم قريبًا -وصيته صلى الله عليه وسلم له لما كان رديفه ومنه قوله (واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا وان النصر مع الصبر) الحديث.
وهذا موافق لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا} قوله تعالى: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا الفين بإذن الله والله مع الصابرين} وقوله تعالى - في قصة طالوت {فلما جاوزه والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} وقوله {بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} إلى غير ذلك فالنصر منوط بالصبر.
وروى الأمام أحمد في كتاب الزهد بسنده عن الحسن البصري - رحمه الله عليه- من قوله تعالى {والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} قال "والله لنصبرن أو لنهلكن".
قال أبو العباس تقي الدين بن تيمية - رحمه الله - الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين. إما تعطيل الأمر والنهي وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم منه مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها وكلاهما معصية وفساد. قال:"وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" فمن امرر ولم يصبر أو صبر ولم يأمر أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة وإنما الإصلاح في أن يأمر ويصبر.
وقال بعض السلف: لا يجد اليوم أحد السلامة إلا أن يكون معه عقل وصبر يحتمل به أذى الناس.
وقال العلام ابن القيم: الصبر والاحتمال والإغضاء مرتبة شريفة من مراتب الجود وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له وأنصر وأملك لنفسه واشرف لها ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار فمن صعب عليه الجود بما له فعليه بهذا الجود فإنه يجتني ثمرة