للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص؛ فالجاهلية - كما يصفها الله - سبحانه وتعالى - ويحددها قرآنه - هي حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج من عبودية الله ورفض ألوهية الله، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله.

إن الجاهلية - في ضوء هذا النص - ليست فترة من الزمان، ولكنها وضْعٌ من الأوضاع. هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غدًا، فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة للإسلام، والمناقضة للإسلام.

والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية، والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية. وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه. وهم بعد ذلك بالخيار! ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.أجل! فمن أحسن من الله حكمًا؟ ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خيرًا مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟

أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعْرَفُ بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله - سبحانه وتعالى - وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير؛ ويجعل رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد - كان - سبحانه وتعالى - يجهل أن أحوالًا ستطرأ وأن حاجات ستستجد، وأن ملابساتٍ ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!

ما الذي يستطيع أن يقوله من يُنَحِّي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية وحكم الجاهلية، ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟

<<  <  ج: ص:  >  >>