السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين.
الصورة الثالثة: سلمان الفارسي سدد خطاكم لما شُتِمَ قال: «إن خَفَّتْ موازيني فأنا شر مما تقول، وإن ثَقُلَتْ موازيني لم يَضُرّني ما تقول».
فقد كان همه مصروفًا إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم.
الصورة الرابعة: انشغال قلب الحاقد بما لا ينفع:
قال رجل لعمرو بن العاص سدد خطاكم:«والله لأتفرغن لك!»، يعني بالكيد والتشفي والانتقام وغير ذلك، فماذا كان رد عمرو؟! فقال عمرو بن العاص سدد خطاكم بذكائه وعقله:«إذن تقع في الشغل، إذن تقع في الشغل!».
نعم. إن الذي يتفرغ لِيَنَالَ من الناس ويشتم الناس لا يكون فارغًا أبدًا، إنما تشغله نفسه وحقده بالناس، فيضيع عمره فيما لا ينفع، ولا شك أن قول عمرو هو الصواب {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}(البقرة: ٢٦٩).
كم نحب أن نسمع مثل هذه الكلمات لمن وقع بينه وبين أحد خصومة أو من هدده وتوعده، (إذن تقع في الشغل)؛ لأن القلب الذي امتلأ بالحسد والانتقام من الناس، وتتبع زلاتهم والتشفي منهم، قلب مشغول دائمًا، أما القلب السليم الذي امتلأ بسلامة الصدر وحب الناس وجمع القلوب فهو لا يفكر إلا فيما ينفعه: كطلب علم أو عمل خير ونحوهما، أما أعراض الناس فهو بريء منها؛ لأنه عاهد الله أن يترك مثل ذلك.
الصورة الخامسة: تواضع جمّ:
في سيرة سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أن رجلًا زاحمه في مِنًى - وأنتم تعلمون حال الناس في مِنًى كيف يكون؟ وكيف تبلغ النفوس مبلغها في مثل هذه المواقف نظرًا للزحام الشديد؟ - فالتفت الرجل إلى سالم - وسالم هذا علّامة التابعين سدد خطاكم، فقال