هذا في أمور الدنيا، لأنك إذا تذكرت من هو دونك، علمت فضل الله عليك فإنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» (رواه مسلم).
أما في أمور الآخرة فانظر إلى من هو أعلى منك، لتدرك تقصيرك وتفريطك، لا تنظر إلى من هلك كيف هلك، ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا.
٧ - قصر الأمل وعدم التعلق بالدنيا، والاستعداد ليوم الرحيل:
فالحياة قصيرة. فلا تقصرها بالهم والأكدار. وهاك يا أخي هذه المحاورة القيمة التي دارت بين نفر، من المتخلين عن الدنيا، المتأهبين ليوم الرحيل.
جلس نفر من الصالحين يتذاكرون، ويتساءلون حول قصر الأمل.
فقيل لأحدهم: ما بلغ منك قصر الأمل؟ فقال: بلغ مني قصر الأمل أنني إذا رفعت اللقمة إلى فمي، لا أدري أأتمكن مِن أكلِها أم لا!!
ووجه السؤال نفسه إلى آخر، فأجاب بقريب من ذلك.
ولما سئل ثالثهم عن مبلغ قصر الأمل في نفسه. قال: بلغ مني قصر الأمل أني إذا خرج مني النفس، لا أدري أيرجع أم لا!!
إن الحياة ـ يا أخي ـ قصيرة، فلا تزِدْها قصرًا ومحقًا بالهموم والأكدار.
٨ - اليقين بأن سعادة المؤمن الحقيقية في الآخرة لا في الدنيا:
قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (هود:١٠٨).
ويقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الدُنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» (رواه مسلم).
وهنا قصة عجيبة للحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -:خرج يوما بأبهته ـ وكان رئيس القضاة بمصر ـ فإذا برجل يهودي، في حالة رَثّة، فقال اليهودي: قف.
فوقف ابن حجر. فقال له: كيف تفسر قول رسولكم: «الدُنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»، وها أنت تراني في حالة رثة وأنا كافر، وأنت في نعيم وأبهة مع أنك مؤمن؟!».