للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن طلب الغلام للنجاة جبنًا ولم تكن عودته إلى الملك تهورًا بل كان في كلا الموقفين شجاعًا حكيمًا.

جَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ.

لم تؤثر محنته على منهج، عاد إلى نفس النقطة التي كان عليها، نفس الموقف الذي كان فيه، موقف المواجهة مع الملك، فقد تحقق للغلام إمكانية تلك المواجهة فلا يجوز التراجع ولا حتى التأجيل.

ولما ذهب إلى الملك سأله: «مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟».

ولا يريد الملك أن ينسب الأصحاب إليه لأنهم منهزمون أمام الغلام، حتى لا يكون لهزيمته بأصحابه أمام الغلام حساسية تؤثر على ادعاء الربوبية لنفسه فقال: «مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟». ولم يقل ماذا فعل أصحابي رغم أنهم أصحابه كما قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ».

قال الغلام: «كَفَانِيهِمُ اللهُ». ولعلنا نلاحظ أن قول الغلام للملك بعد النجاة: «كَفَانِيهِمُ اللهُ»، كان مثل قوله قبل النجاة: «اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ». نفس الكلمة التي قالها عند الضر فوق الجبل، قالها بعد كشف الضر واهتزاز الجبل بلا زيادة ولا تغيير، فقد ينطلق لسان الإنسان عند الضر بكلمات اللجوء إلى الله والاستغاثة به فإذا ما انكشف الضر تتغير الكلمات والألفاظ ويدخل فيها إحساس الإنسان بنفسه وعمله ويفسر الكشف الإلهي لضره بمجهود بذله أو تصرف تصرفه.

محاولة أخرى فاشلة:

ويحاول الملك قتله مرة ثانية.

فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ» فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: «اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ»؛ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟» قَالَ: «كَفَانِيهِمُ اللهُ».

<<  <  ج: ص:  >  >>