للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن اختيار الملك لأسلوب القذف بالغلام في وسط البحر بعد محاولة القذف به من فوق الجبل يعتبر نموذجًا للمادية البحتة في مواجهة دين الله - عز وجل -، تلك المادية البحتة التى أعمت أصحابها عن قَدَر الله فوق ذروة الجبل حيث اهتز الجبل فسقطوا هم وعاد هو سالمًا. وكما اهتز الجبل فسقطوا، انكفأت السفينة فغرقوا، وعاد هو سالمًا.

وكما اهتز الجبل فسقطوا، انكفأت السفينة فغرقوا، وعاد هو سالمًا، وجاء يمشي إلى الملك.

ويقين الغلام بعجز الملك عن قتله وإن كان موقفًا خاصًا إلا أنه تضمن حقيقة اعتقادية مطلقة قالها رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لابن عباس في حديثه: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (رواه الترمذيُّ، وصححه الألباني).

الغلام الضعيف يأمر الملك:

«فَقَالَ لِلْمَلِكِ: «إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ»، قَالَ: «وَمَا هُوَ؟» قَالَ: «تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ: «بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ»، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي».

ونرى في كلمات الغلام شيئين: إثبات عجز الملك، والأمر الذي سيأمر الملك به، ولعل هذا أول أمر يتلقاه الملك في حياته ويجد نفسه مضطرًا إلى تنفيذه. وبذلك يُنهِي الغلام ادعاء الربوبية الذي يدعيه الملك بإثبات عجزه واضطراره إلى تنفيذ الأمر الذي يصدر إليه. ولقد حرص الغلام على إنهاء هذا الإدعاء في ذلك الموقف لأنه الموقف الأخير الذي يجب أن ينتهي معه هذا الإدعاء الفظيع.

ويكون الأمر هو: «تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ»، حتى يشهدوا الأحداث ويفهموا معناها، ولقد بدأ الغلام أوامره بهذا الأمر حتى لا يُخفي الملك الحقائق التي

<<  <  ج: ص:  >  >>