[من آداب يوم الجمعة]
جاء من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آذيت وآنيت).
فمن الأدب لصلاة الجمعة أن الإنسان يأتي مبكراً، فإذا ارتقى الخطيب على المنبر فلا ينبغي لأحد أنه يخترق الصفوف ويتخطى رقاب الناس.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بدأ يخطب وهذا الرجل جاء متأخراً وقام يخترق الصفوف؛ يريد أن يكون في الصفوف الأولى، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قطع الخطبة وقال: (اجلس)، فأمره أن يجلس، وفي قوله هذا زجر وتأديب له ولغيره من الناس، وأنه لا ينبغي هذا الفعل طالما الإمام على المنبر وبدأت الموعظة، فلا ينبغي لأحد أن يشوش على الناس.
ومن التشويش كذلك ما يفعله الأطفال الصغار الذين يسعون بين الناس ذهاباً وإياباً، فلابد من تعليم هؤلاء الأدب في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة، وقال له: (اجلس)، وأدبه بقوله: (فقد آذيت وآنيت)، فالأذى يضايق الناس، والشيء الثاني: آنيت، أي: جئت متأخراً عن الصلاة، فهذا خطؤك أنت، فأنت الذي جئت متأخراً عن الصلاة فعليك أن تجلس حيث انتهى بك المجلس.
ومن الأحاديث ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)، فعليه أن يشير إليه فقط، ولا يتلفظ ويقول له: اسكت، فإذا لغا ضاعت عليه صلاة الجمعة.
وفي حديث لـ أبي ذر رضي الله عنه يقول: (دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريباً من أبي بن كعب فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة براءة، قال: فقلت لـ أبي: متى نزلت هذه السورة؟) وأبو ذر هو أصدق الخلق لهجة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له.
فأبو ذر يسأل أبي بن كعب، وأبي بن كعب كان من حفاظ القرآن رضي الله تبارك وتعالى عنه، وأبي كان يسمع الخطبة وأبو ذر يسأله: متى نزلت سورة براءة؟ ومعنى هذا الكلام أن هذا حدث في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما قال ذلك قال: (فتجهمني ولم يكلمني) أي: نظر إليه ولم يرد عليه، قال: (ثم مكثت ساعة ثم سألته متى نزلت هذه السورة؟ فتجهمني ولم يكلمني، ثم مكثت ساعة ثم سألته، فتجهمني ولم يكلمني، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلت لـ أبي: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ فقال أبي: مالك من صلاتك إلا ما لغوت) فسماه لغواً مع أنه سؤال في طلب العلم، ولكن في الخطبة لا ينبغي هذا.
قال: (فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله! كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة، فسألته: متى نزلت هذه السورة فتجهمني ولم يكلمني، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبي، صدق أبي) يعني: صلاة الجمعة تكتب لك ظهراً فضاعت الجمعة.
وفي حديث آخر نفس الأمر يحدث لـ عبد الله بن مسعود مع أبي بن كعب رضي الله عنه، فقد دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس إلى جنب أبي بن كعب فسأله عن شيء أو كلمه بشيء فلم يرد عليه أبي رضي الله عنه، وظن ابن مسعود أنها موجبة، وابن مسعود من فقهاء الصحابة الكبار، فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته، قال ابن مسعود: يا أبي! ما منعك أن ترد عليّ؟ قال: إنك لم تحضر معنا الجمعة، فقال: بم؟ قال: تكلمت والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقام ابن مسعود ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم: (صدق أبي صدق أبي، أطع أبي) رضي الله تبارك وتعالى عنه، فحدثت هذه الحادثة مرتين مرة مع أبي ذر، ومرة مع عبد الله بن مسعود، وفي كل منهما بان الحكم الشرعي: أنه لا يجوز الكلام أثناء خطبة الخطيب، وإنما الذي يجوز أن تشير فقط، ولا يجوز لك أن تتكلم، بل والإشارة إذا كانت لغير هدف فإنها لغو، كإنسان يلعب بالحصى، فجمعته لاغية، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا من ضمن اللغو مس الحصى فقال: (من مس الحصى فقد لغا).
ومن الأحاديث: حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى لغواً أن تقول لصاحبك: أنصت إذا خرج الإمام في الجمعة)، فإذا لغا في الجمعة ضاعت عليه جمعته وصارت له كصلاة الظهر.