الفقر ليس مطلوباً لذاته وإنما الفضل في الرضا به
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الحافظ المنذري رحمه الله الترغيب في الفقر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها فقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)، رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم قال: إنهم كانوا عباداً يعبدوني ولا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، رواه أحمد والبزار.
هذه الأحاديث يذكرها الحافظ المنذري في كتاب التوبة والزهد، باب الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم، والمقصد من هذا الباب: أن الإنسان إذا أفقره الله عز وجل فلا يبأس ولا يحزن ولا يحسد غيره ممن آتاه الله عز وجل مالاً، فالمال نعمة من الله سبحانه، وقد يكون لإنسان نعمة وعلى إنسان نقمة، فيكون لإنسان يتقوى به على طاعة الله سبحانه، وعلى عمل الخير، ويكون لإنسان آخر يتقوى به على معاصي الله سبحانه تبارك وتعالى.
وشأن المؤمن أن يرضى بالحال الذي هو فيها، فإن أعطاه الله عز وجل مالاً رضيه، وحمد الله وشكره على ما آتاه، وإن منعه من ذلك صبر ورضي وحمد الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يتضجر، وليتسل وليتصبر بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث في هذا المعنى، وليس المعنى أن يطلب الإنسان من ربه الفقر فيدعو ويقول: يا رب! أفقرني، مثلاً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الكفر والفقر، ولكن كان يقول: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)، يعني: بقدر ما يحتاجون، وكان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين)، صلوات الله وسلامه عليه، فكان يسأل الله سبحانه أن يرزقه أن يكون كالمساكين، وليس المعنى أن يكون معهم في فقرهم أو أن يكون فقيراً؛ لأنه كان يتعوذ بالله من الفقر، وإنما المعنى: أن يجعله في تواضع المساكين، إذ المسكين الذي ليس له مال يتواضع، ولذا يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يرزقه هذا الخلق، فيكون خلقه التواضع حتى لو آتاه الله كنوز الدنيا، وكذلك كان يسأل ربه سبحانه القوت، أي: أن يعطيه بقدر ما يحتاج، فهو لا يريد أكثر من ذلك صلوات الله وسلامه عليه، بل لو آتاه الله عز وجل مثل جبل أحد ذهباً! لما بقي في بيته منه شيء إلا وهو ينفق هكذا وهكذا وهكذا، إلا شيئاً يبقيه لدين صلوات الله وسلامه عليه.
فغاية ما تدل عليه هذه الأحاديث: أن الإنسان إذا أفقره الله ولم يعطه مالاً فعليه أن يصبر على ذلك، بعد أن يأخذ بالأسباب في طلب الرزق وفي طلب المعاش، ويرضى بقضائه وقدره، ويتصبر بمثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء)، وإذا كان الفقراء هم الأكثرين في الجنة، فالإنسان المؤمن يحب أن يكون معهم، والفقراء أيضاً أول من يدخلون الجنة، ولذا فالمؤمن يحب أن يدخل الجنة مع هؤلاء الفقراء، وهؤلاء المساكين.
قال: (واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)، وإنما كانت النساء أكثر أهل النار؛ لكون النساء أشد فتنة وجدت على الأرض، فهن فتنة لأنفسهن، وفتنة لغيرهن، إلا من رحم الله سبحانه تبارك وتعالى، كما أن المرأة قليلة الصبر، كثيرة الشكوى والضجر، لا تخلو من البلاء، والإنسان يحتاج إلى طاعة ربه ولعلها تصرفه عن ذلك بكثرة شكواها، وكثرة طلبها، ويستثنى من ذلك المرأة الصالحة التي تعين زوجها وتعين أهلها على طاعة الله، وعلى تقوى الله سبحانه تبارك وتعالى.
وجاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن النساء أكثر أهل النار، فلما سألنه ولم؟ قال: يكثرن اللعن ويكفرن العشير)، فقوله: يكثرن اللعن، أي: يتسرعن في اللعن، فتشتم وتسب وتدعو على غيرها باللعنة كل ذلك في عجلة وعدم تؤدة، وهذه الدعوة دعوة سيئة، أي: الدعوة على إنسان باللعنة، كأن يقول: لعنك الله، إذ اللعنة يضيق عليها الفضاء كله بما رحب، وتضيق عنها السماوات والأرض، ولا يقبل أحد في السماوات ولا في الأرض هذه اللعنة، فإنها إن تصعد إلى السماء لا تجد مكاناً، وإن تنزل إلى الأرض لا تجد مكاناً، إلا اللاعن أو ذاك الملعون، فإذا كان المشتوم الملعون يستحق اللعن نزلت عليه، فطرد من رحمة الله وإن كان لا يستحقها رجعت إلى قائلها، فكأنه دعا على نفسه بالطرد من رحمة رب العالمين سبحانه.
وإذا كانت المرأة تكثر من اللعن؛ فكأنه بكثرة لعنها لغيرها، قد تلعن من لا يستحق هذه اللعنة، فتحور عليها لعنتها، وتستحق جزاءها.
قوله: (يكفرن العشير) يؤيده ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المرأة لو أحسن إليها بعلها الدهر كله، ثم رأت منه شيئاً، قالت: ما أخذت منك شيئاً، ما رأيت منك شيئاً)، فهي تنكر ما أعطاها زوجها الدهر كله، فاستحقت بكفران العشير أن تدخل النار.