[استحباب الطيب ولبس أحسن الثياب للمصلي والنهي عن الأذى]
من الأحاديث التي جاءت عنه صلوات الله وسلامه عليه ما رواه أحمد عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيبه إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت حتى يصلى كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى).
وفي الحديث شروط أخرى للكفارة فيما بين الجمعة والجمعة، فقد ذكر لنا في الحديث الأول: الوضوء والغسل أفضل وأتم وأحسن، وفي هذا الحديث: (ومسح من طيبه إن كان عنده) أي: من مسك أو نحوه- ولبس من أحسن ثيابه، إذ الجمعة عيد للمسلمين، فالمسلم يأتي الجمعة في أحسن ثيابه لا في ثيابه العامة التي قد تكون غير نظيفة يشم منها رائحة العرق مثلاً، فينبغي أن يأتي إلى الجمعة في ثياب طيبة نظيفة كالتي يلبسها في العيد، أو لتكن من أحسن ثيابه، قوله: ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له، أي: إذا أتى المسلم المسجد فينبغي له أن يصلي، فمن المعلوم أن الصلاة عند دخول المسجد سنة، وفيه أنك إذا جئت إلى بيت الله عز وجل يوم الجمعة فلك أن تصلي ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، أو ثماناً، أو عشراً، أو ما بدا لك، فلم يقيد الإسلام النافلة في هذا الوقت بعدد، بل كلما زدت كان خيراً لك.
قوله: (ولم يؤذ أحداً)، هذا قيد أيضاً، أي: أنه لا يأت ويؤذي أحداً من الناس لا في طريقه ولا في بيت الله عز وجل، ولا يسخط، ولا يرفع صوته، ولا يضايق المسلمين كأن يوسع الناس ليجلس هو فيؤذي الناس بجلوسه، أو يتخطى رقاب الناس في أثناء دخوله إلى المسجد، فشأنه أن يبتعد عن أي شيء يؤذي به الناس؛ لقوله في الحديث: ولم يؤذ أحداً، ويتبع ذلك بإنصاته للخطبة؛ لقوله في الحديث: (ثم أنصت حتى يصلى) يعني: حتى يصلي الإمام بالناس صلاة الجمعة، فإذا صنع ذلك كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى.
وجاء عن أوس بن أوس الثقفي فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنى من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له من كل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)، وهذا فضل كبير من الله عز وجل أن جعل هذه الأشياء التي يصنعها المسلم كلها للجمعة.
قوله: (من غسل يوم الجمعة واغتسل) المرادفات في قوله: غسل واغتسل للتوكيد، والمعنى: كأنه غسل رأسه وغسل بدنه يوم الجمعة فأحسن الغسل.
قوله: (وبكر وابتكر) أي: جاء مبكراً إلى صلاة الجمعة، فإنه كلما جاء مبكراً كلما كان ذلك أفضل له، والساعات المرتبة في الحديث تبدأ من بعد طلوع الشمس إلى صلاة الجمعة، فمن بعد طلوع الشمس تبدأ الساعة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا، فكلما جاء مبكراً إلى بيت الله عز وجل كان له أجر أعظم.
قوله: (ومشى ولم يركب) أي: مشى من بيته إلى بيت الله عز وجل ولم يركب إلا إن دعت الحاجة لذلك، كأن يكون المسجد بعيداً يصعب الوصول إليه دون ركوب.
قوله: (ودنى من الإمام)، فإنه إذا جاء مبكراً ودنى من الإمام، كان أدعى لأن يستمع وينصت ويتفكر ويتدبر ويتعظ.
قوله: ولم يلغ، أي: لم يفعل اللغو كأن يمس الحصى أو يكلم الذي بجواره، أو ينشغل عن الخطبة بشيء، أو ينام في خطبة الجمعة، بل استمع ولم يلغ، فإنه إن فعل ذلك كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها، فلو كان بين البيت وبين المسجد عشر خطوات والواقع لا يوجد أحد بين بيته وبين المسجد عشر خطوات، ولكن لو فرضنا ذلك لكان له في كل خطوة عمل سنة من الأعمال الصالحة، فكأنك تصوم وتقوم ستمائة وخمسة وستون يوماً، وكذا إن كان مائة خطوة، وبذلك يضاف يوم القيامة إلى عمرك أعماراً من العمل الصالح الخالص، ومن قصر في ذلك وفرط فهو محروم قد حرم نفسه من الخير، وحرم نفسه من أجر عظيم جداً كان سيناله بقليل عمل.
وقد يتشاغل المرء عن هذا بأشياء من مشاغل الحياة وهي كثيرة، ولكن كلما استحضر الثواب وتفكر فيه كلما كان هذا دافعاً له على الحرص على ذلك.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على فعل الخيرات وفعل المعروف وأن يجعل عملنا كله صالحاً وله خالصاً وأن لا يجعل لأحد فيه شيئاً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.