من الأحاديث الجميلة في هذا المعنى حديث أسيد بن حضير، ويروي هذا الحديث أبو سعيد الخدري.
وفيه: أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده -والمربد: هو المكان الذي يجمع فيه التمر حتى ييبس فيه- فكان يصلي أسيد بن حضير بالليل في مربده، قال: إذ جالت فرسه أي: كانت فرسه مربوطة بجواره فإذا بالفرس تنفر وتضطرب وهي واقفة في مكانها، وكان ابنه بجوارها فخاف فسكت عن القراءة فسكتت الفرس، ثم قرأ القرآن مرة أخرى فإذا بالفرس تنفر مرة ثانية وأسيد بن حضير لا يعرف لماذا، فسكت مرة ثانية فسكتت الفرس، وفي المرة الثالثة سكت حيث خاف أن ترفس الفرس ابنه، فلما أصبح بالنهار ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:(يا رسول الله! بينما أنا البارحة في جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير) أي: أكمل قراءتك، وكأنه يستحضر حاله بالأمس ويقول له: كنت ستكمل قراءتك فلماذا سكت؟ فقال له: أكملت القراءة ولكن الفرس زادت نفوراً، فقال له:(اقرأ ابن حضير) يعني: استحضر حال الأمس، بمعنى: لو كنت أكملت القراءة، فقال له: خشيت على يحيى فانصرفت، فلما أكمل القراءة أو الصلاة التي كان فيها انصرف ونظر في السماء وجد مثل الظلة أي: سحابة في السماء مليئة بالمصابيح وكانت هذه السحابة فوق رأسه وتدنو منه أثناء قراءته للقرآن، قال: رأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها، وكان يقرأ القرآن حتى كانت السحابة من النور تنزل من السماء والفرس تراها وتنفر من مكانها، فهو يسأل ما هذه السحابة التي فيها النور كأمثال المصابيح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم).
فهنا قدر الله عز وجل أن تستتر حتى لا يرى الناس الملائكة، ولو أنه أتم قراءته ونزلت الملائكة تدنو منه لأصبح يراهم الناس لعرفوا أن الملائكة تستمع لكتاب الله سبحانه وتعالى وخاصة من حسن الصوت به.
وفي رواية أخرى:(قال: فالتفت فإذا أمثال المصابيح مدلاة بين السماء والأرض.
فقال: يا رسول الله! ما استطعت أن أمضي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت العجائب)، أي: لو مضيت في قراءتك لرأيت العجائب يعني: من نزول الملائكة من السماء إلى الأرض.
والملائكة تنزل، ولكن قد تراها وقد لا تراها، بل أنت إذا قمت من جوف الليل فقرأت القرآن فإن الملك الذي معك يدنو منك يسمع القرآن الذي تقرأه، فإذا كنت في صلاة تقرأ وقد تسوكت ورائحة فمك طيبة فإنه يدنو منك حتى يجعل فمه على فمك، فلا تخرج منك آية إلا في فم الملك من حبه للقرآن.
فلذلك على الإنسان المسلم أن يستعد لقراءة القرآن بأن يكون على وضوء، وأن يطيب فمه، وأن يحفظ كتاب الله سبحانه حتى يكون من أهل القرآن، بل من أهل الله سبحانه وتعالى.