[شرح حديث: (هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا)]
هذه أحاديث من كتاب التوبة والزهد من كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري رحمه الله، يرشد النبي صلى الله عليه وسلم فيها أنك لا تحكم على أحد بظاهره، فإذا نظرت إلى إنسان في ثيابه وحلته وفي شارته وزينته، فلا تغتر بهذه المظاهر التي هو عليها، وإذا نظرت إلى إنسان في فقره وضعفه، وأنه ليس عليه ثياب حسنة، فلا تنظر إلى ذلك فتحكم عليه بمجرد الظاهر، بخلاف الإسلام، ففي الإسلام لا نحكم إلا بالظاهر، هذا الإنسان يصلي إذاً نحكم عليه أنه مسلم، ومن رأيناه يفعل أفعال وشعائر الإسلام فالأصل أنه مسلم.
إذاً: هنا نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، لكن مسألة احترام الشخص وتعظيمه بالمظهر الذي هو عليه، ففي هذه الأحاديث علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ألا يحكموا على الشخص لمجرد ظاهره أنه حسن أو سيئ.
ففي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده) والمقصود: تعليم الناس، وبيان أن هناك أشياء هم ينظرون إليها نظرة خاطئة، وليست هذه النظرة صحيحة، فمر الرجل وهو في منظر حسن لابس لبساً جميلاً، فسأل النبي رجلاً بجواره، ما رأيك في هذا؟ فقال: هذا رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع لقوله.
يعني: هذا رجل كبير في القوم، فلو ذهب ليخطب فكل الناس يريدون أن يزوجوه، ولو تكلم مع أحد فكل الناس يسمعون له عندما يتكلم، وإن ذهب ليشفع لأحد فكل الناس يقبلون منه شفاعته، وهذه نظرة الغالبية العظمى من الناس، فينظرون إلى الإنسان بظاهره فيرونه منفوخاً ويمشي وهو لابس بدلة جميلة، فهذا رجل كبير ابعد عنه وليس لك دعوة به، ولعله يكون من أوضع الخلق عند الله عز وجل.
وكان العرب يقولون عن الإنسان الذي هو على هذه الحال: (لابس ثوبي زور)، يعني: أنه متجمل على لا شيء، أي: لا يوجد داخله شيء، ومع قولهم ذلك فقد كانوا ينظرون إلى الإنسان على أنه حسن أو سيئ بمجرد المظهر.
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم مر رجل آخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي بجواره: ما رأيك في هذا؟) الأول كان رجلاً كبيراً، وهذا رجل شكله وضيع فقير، فقال الرجل الذي بجوار النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال: ألا يسمع لقوله) هذا لا يستوي مع الأول في المنظر والظاهر، فغير له النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم فقال: (هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا).
فقالها النبي صلى الله عليه وسلم مرة في حديث سهل بن سعد، ومرة أخرى قالها لـ أبي ذر رضي الله عنه.
فقال: (يا أبا ذر! أترى كثرة المال هو الغنى؟) إن الإنسان الغني معه أموال كثيرة، (قال: نعم)، الصحابة كانوا أهل صدق رضي الله عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فترى قلة المال هو الفقر؟) يعني: أنتم نظرتكم هكذا قال: (نعم يا رسول الله) فغير له النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم، وأخبر أن الأمر ليس كذلك، فقال: (إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب).
الإنسان الغني: الذي يكون الغنى في قلبه، لا ينظر إلى الناس، ولا يطمع في أموالهم، فهذا هو الغني حقيقياً، أما الذي يستشرف لأموال الناس فهو كالذي يأكل ولا يشبع فهو مفتقر يريد مالاً أكثر، فالذي يريد هذا هو الفقير، أما الذي هو مستغنٍ لا يريد شيئاً فهذا هو الغني، فوضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم.