للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (ما قل وكفى خير مما كثر وألهى)]

جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت شمس قط إلا بعثت بجنبتيها ملكان إنهما ليسمعان أهل الأرض إلا الثقلين) أي: أنه في كل يوم عند طلوع الشمس وعند غروبها يقول ملكان: (يا أيها الناس! هلموا إلى ربكم) أي: أقبلوا إلى ربكم سبحانه.

قوله: (فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى) فالإنسان في الدنيا إذا انكب عليها فإنه كلما أخذ منها كلما ازداد نهماً، ولذلك جاء في الحديث: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا)، أو (اثنان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) فطالب العلم إذا كان طالباً لله سبحانه لا يشبع أبداً، وكلما ازداد علماً علم بجهله، وطلب العلم وانكب عليه، فيفتح الله سبحانه وتعالى له أبوابه، ولا يشبع منه أبداً، وطالب المال كذلك لا يشبع منه أبداً، وكلما ازداد مالاً ازداد حرصاً على المال،، وطلباً له.

فيقول الملكان هنا: (إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى) أي: إذا كان المال على قدر حاجتك، وكفايتك فهو أفضل لك من الكثير الذي يلهيك، فقد ترى الرجل لديه ألف يريدها أن تكون ألفين، ثم يريدها أن تكون مليوناً، ثم يشغلها بعد ذلك، يعطي هذا وهذا وينشغل بمتابعتها طول النهار، هل أكمل هذا أم لم يكمل؟ وهذا هل عمل أم لم يعمل؟ وهكذا يظل يبحث عن المال، وفي النهاية يأتيه الموت وإذا به عليه ديون، وإذا بالمال له أصحاب يطلبونه، وإذا بالإنسان قد ضاع منه المال بسبب حرصه وجشعه.

إذاً: فما قل مع الإنسان مما يكفيه، خير له مما كثر وهو يلهيه.

قال في الحديث: (وما غربت شمس قط إلا وبعث بجنبتيها ملكان يناديان: اللهم عجل لمنفق خلفاً، وعجل لممسك تلفاً)، وجاء في حديث آخر: (أنه في كل يوم تطلع فيه الشمس وتغرب يبعث الله عز وجل ملكين يقولان ذلك، ويدعوان: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً) فالذي ينفق لله عز وجل، بأن ينفق على عياله، وعلى نفسه وقرابته وأرحامه، وينفق على الفقراء والمساكين، فهذا يعجل الله عز وجل له بعطاء، من فضله سبحانه ورحمته، وقوله: (اللهم عجل لمنفق خلفاً) أي: أخلف عليه.

أما الممسك الذي يبخل: عن نفسه، وعياله، ويبخل عن أمه وأبيه، ويبخل عن الفقراء والمساكين، مع وجوب ذلك عليه، فهذا يعجل الله عز وجل له تلفاً: فيتلف ماله، تتلف صحته، ويضيع عليه هذا المال، الذي اكتسبه والذي بخل به.

لذلك فالمؤمن ينفق مما أعطاه الله سبحانه ولا يبخل، فيتعبد الله بالمفهوم الأشمل والأوسع، في كل وقت وفي كل عمل من الأعمال، ويؤدي الواجبات، والنوافل، ويطعم نفسه وأهله، وضيفه، وعياله، فالله عز وجل يملأ يديه رزقاً من فضله وكرمه سبحانه.