للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل صلاة الجماعة والتحذير من تركها]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الحافظ المنذري رحمه الله: [الترهيب من ترك الحضور جماعة لغير عذر: عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم).

فقيل لـ يزيد بن الأصم: الجمعة عنى أو غيرها، قال: (صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر جمعة ولا غيرها)، هذه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها الحافظ المنذري رحمه الله في الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر، فصلاة الجماعة فضيلة، ويجب على المسلم أن يصلي صلاة الجماعة حيث ينادى بها، وهذا كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يؤذن للصلاة فيقبل المسلمون من كل مكان على نهج النبي صلى الله عليه وسلم ويصلون صلاة الجماعة، فكان ينظر في وجوه أصحابه فإذا حضر الصحابة صلَّى صلى الله عليه وسلم، وإذا تأخروا أخر الصلاة حتى يجتمعوا.

فأمر صلاة الجماعة هام جداً، يجتمع المسلمون في خمس صلوات في اليوم والليلة، فتنزل عليهم بركات من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، ويؤجرون ويكفر عنهم الخطايا بذلك، ووجودهم في مسجد الجماعة يبعد عنهم الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، ووجودهم في جماعة في مكان واحد يعرف بعضهم بعضاً، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:١٣]، فمكان صلاة الجماعة مكان للتعارف بين المؤمنين، يعرفون حاجاتهم، وهو مكان النصيحة، ومكان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكان تلقي العلم، ومكان قراءة كتاب الله سبحانه، والتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم والعمل به.

فهنا في الأحاديث ما يفيد الزجر عن ترك صلاة الجماعة والترهيب من ترك هذه الصلاة العظيمة.

ومن الأحاديث: ما رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)، فكأنه ينفي عن هذا الإنسان قبول الصلاة التي يصليها وحده، وكأن المقصد: لا صلاة له يعني: الصلاة التي يثاب عليها الأجر العظيم من الله عز وجل، هذا لا يستحق ذلك، وإن كان فيها صلاة، فإنه لا يقال: إنها صلاة باطلة إذا صلاها وحده في بيته، ولكنه يزجر من ترك الجماعة وهو قادر على أن يصليها، فقال: (لا صلاة له)، ولكن استثنى أهل الأعذار، فقد يكون الإنسان له عذر من الأعذار كالمرض ونحوه، ويحتاج إلى أن يصلي في بيته بسبب علة من مرض ونحوه، فهذا معروف، لكن الإنسان الصحيح القادر على أن يأتي الجماعة ثم لا يأتيها ما الذي يمنعه من إتيان الجماعة؟ فكأنه يستكبر حين يسمع المنادي يقول له: حي على الصلاة، هيا تعال إلى الصلاة، حي على الفلاح، تعال لتكون من المفلحين، ثم يأنف أن يكون من المصلين ويكون من المفلحين، فهذا يستحق العقوبة والحرمان.

في حديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان)، أي: لم يجد إذا الجماعة في مكان، وأقلها ثلاثة، بل وأقلها أيضاً اثنان كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الجماعة اثنين قال: (أيكم يتصدق على هذا؟ فقام رجل فصلى معه) فكان الاثنان جماعة.

فهنا إذا كان مكان لا يعيش فيه إلا ثلاثة، وهؤلاء الثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة فإن الشيطان يستحوذ عليهم ويحيط بهم ويدخل في قلوبهم ويسيطر عليهم بسبب تركهم لصلاة الجماعة، فقوله: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو)، أي: أن صلاة الجماعة تتعلق بأهل القرى وأهل البدو أيضاً، والقرية بمعنى: المصر أو البلد، فسواء كان هذا البلد في ريف أو في الحضر أو كان في البدو، فالجميع يلزمهم أن يصلوا جماعة طالما أنهم عدد يقيم في مكان فعليهم صلاة الجماعة.

فإذا لم تقم فيهم الصلاة قال: (إلا قد استحوذ عليهم الشيطان)، وحاذ الشيء: أخذه، فكأن الشيطان أحاط بهم، وأخذهم الشيطان إلى جانبه، وسيطر عليهم بسبب تركهم الجماعة.

فصلاة الجماعة عصمة من الشيطان، فإنك حين تدخل باب المسجد تقول: اللهم صلِّ على محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، فتأخذ على ذلك الرحمة، وإذا خرجت من المسجد تقول: اللهم صلِّ على محمد، طبعاً بعد التسمية، ثم تقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم، ومثلما عصمك الله وأتى بك إلى بيته سبحانه وتعالى، كذلك لا يزال يعصمك من الشيطان الرجيم حتى لا يسيطر عليك ويضيع عليك صلواتك، ويضيع عليك ثوابك.

قال صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فالناس كمجموعة إذا جاء الشيطان من بعيد وهم مجموعة لا يستطيع أن يخطف واحداً منهم، ولكن إذا شذ منهم إنسان ومشى بعيداً وترك صلاة الجماعة وترك المسلمين وبقي وحده بعيداً فالشيطان يستحوذ عليه ويسيطر عليه ويضله ويضيعه، كهذا المثال الذي ضربه صلى الله عليه وسلم، مجموعة أغنام كلها مع الراعي، الذئب كيف سيأتي لها وهي مجموعة والراعي معها؟ ولكن الذئب ينتظر بعيداً، فإذا شذت منها شاذة، واحدة من الغنم بعدت بعيداً عن القطيع وعن الراعي فإن الذئب يخطفها ويجري بها، ولا يستطيعون استنقاذها منه، كذلك الإنسان الذي يترك صلاة الجماعة يبتعد عمن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر.

حديث لـ ابن أم مكتوم رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: (قلت يا رسول الله! أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: ما أجد لك رخصة).

الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.

إن عمراً بن أم مكتوم ضريرٌ ويسمع النداء وله قائد، والمدينة كبيره وبيته شاسع بعيد جداً عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، بل يذكر أنه معذور، قال: (لي قائد لا يلائمني)، والمدينة كثيرة الهوام، وقد يلاقي في الطريق كلباً مسعوراً، أو أي شيء يؤذيه، كل ذلك والقائد الذي يقوده إلى المسجد لا يلائمه، يعني: لا يوافقه.

فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله قال: (أتسمع النداء؟)، هل تسمع المؤذن يؤذن؟ قال: نعم، قال: (ما أجد لك رخصة).

هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى، فغيره من المبصرين الذي يرى الطريق هو أولى أن يرابط ويحرص على صلاته في جماعة.

حديث آخر في رواية أحمد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد فرأى في القوم رقة)، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني لأهم أن أجعل للناس إماماً)، يعني: يستخلف أحداً يصلي بالناس، (ثم أخرج فلا أقدر على إنسان، يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه)، أي: يتخلف عن صلاة الجماعة، يتخلف في بيته عن صلاة الجماعة إلا أحرقته عليه.

كاد أن يصنع ذلك، فيا ترى لو كان عائشاً معنا ويرى اليوم أحول المسلمين مع الكرة وممن لا يأتون المسجد؛ من أجل أن يتفرجوا على لعبة الكرة ماذا كان سيعمل؟ فإذا كان المسلمون في حفلة فإن نصف المسلمين يتركون الصلاة، إذاًَ: غير المصلين حالهم كما قال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:١٩].

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد ذلك لأحرق بيوتاً على أهلها وهم يشاهدون التلفاز، ويتركون بيت الله سبحانه وتعالى، حتى في رمضان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأهم أن أجعل للناس إماماً ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه، فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله! إن بيني وبين المسجد نخلاً وشجراً)، هو أعمى سيمشي في الطريق في نخل وشجر، وسيتخبط في النخل والشجر قال: (ولا أقدر على قائد كل ساعة، أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع الإقامة؟ قال: نعم، قال: فأتها).

هذا الأعمى ونحن المبصرون نترك صلاة الجماعة التي أمرنا بها ربنا سبحانه، وأمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول لنا الإمام الخطابي بعدما ذكر هذا الحديث: في هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندباً لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرورة والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم، وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر وبالقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة.

وقال الإمام الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، حتى وإن كان الأب أو الأم يقولان للابن: لا تُصًلِّ الجمعة، فلا تصلِّ الجماعة، لا ط