[تكفير الصلوات الخمس للصغائر دون الكبائر]
والغرض من ذكر حديث عمر رضي الله عنه: هو بيان أركان الإسلام الخمسة، وأهمها: التوحيد ثم الصلاة.
وعن أبي هريرة في المتفق عليه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟).
ويبين هذا الحديث حديث أبي سعيد عند البزار والطبراني وفيه: قال صلى الله عليه وسلم: (أرأيت لو أن رجلاً كان يعتمل وكان بين منزله وبين معتمله خمسة أنهار، فإذا أتى معتمله عمل فيه ما شاء الله فأصابه الوسخ أو العرق فكلما مر بنهر اغتسل ما كان ذلك يبقي من درنه؟ فكذلك الصلاة كلما عمل خطيئة فدعا واستغفر غفر له ما كان قبلها)، وهذا بيان كيف تكون هذه الصلاة العظيمة كفارة للذنوب.
وجاء في الحديث: (الصلوات الخمس كفارة لما بينهما)، وذكر: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان)، بقيد: (ما اجتنبت الكبائر)، فإذا اجتنب الإنسان الوقوع في كبائر الذنوب: كقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والشرك بالله عز وجل، والسحر، وعقوق الوالدين، وأخذ الرشوة، وأكل مال اليتيم، وأكل أموال الناس بالباطل، ولم يقع في الجرائم التي فيها حدود في القرآن والسنة ولم يقع فيما توعد عليه ربنا سبحانه بالعقوبة أو باللعن أو بالطرد من رحمته فإن الصلوات الخمس تكفر له ما وقع فيه من الصغائر إذا اجتنب هذه الكبائر.
فلو وجد نهر باب أحدكم وكل ما خرج من البيت اغتسل في هذا النهر ثم رجع إلى بيته فلوا اغتسل فيه في اليوم خمس مرات هل يبقى من الدرن والوسخ عليه شيء؟ فالصحابة أجابوا: لا، فقال: (كذلك الصلوات الخمس كفارة لما بينهن).
وذكر في حديث أبي سعيد الإنسان الذي بينه وبين محله أو مصنعه أو حقله: (خمسة أنهار، فإذا أتى معتمله عمل فيه ما شاء فأصابه الوسخ أو العرق فكلما مر بنهر اغتسل) فهل سيبقى عليه أثر العمل من عرق أو وسخ أو شيء؟
الجواب
لا، لن يبقى عليه شيء، فكذلك الصلوات الخمس، فالإنسان قد يقع في اليوم والليلة في الخطأ والإثم، فإذا صلى الصلاة فإنها تكون كفارة له، وأنت إذا صليت تسجد لله وتستغفره وتسبحه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم).
فأنت تصلي لله عز وجل وتستغفره وتدعوه ليكفر ذنوبك بفضله وبرحمته.
ومن الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى: حديث ابن مسعود الذي رواه الطبراني في الصغير والأوسط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها).
ومعنى تحترقون أي: تقعون في الذنوب، وذنوب الإنسان تجتمع عليه دائماً، عوداً وعوداً وعوداً ثم يشعل فيها النار فتشتعل، ومعظم النار من مستصغر الشرر، كذلك الذنوب فإن الإنسان قد يقع في ذنب ثم في ذنب آخر ثم في ذنب ثالث، وهكذا فالصلوات تجعل الإنسان يحافظ على نفسه مع نفسه ومع الناس ومع ربه سبحانه وتعالى.
قال: (تحترقون تحترقون) أي: بالغفلة واللهو واللعب، ونسيان ذكر الله سبحانه، وبالوقوع في الذنوب، قال: (فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا) وهذا من فضائل الصلاة، وكثير من الناس يضيع الصلاة وينسى، فإذا بالذنوب تتراكم عليه وصغائر الذنوب تصير كبائر، وترك الصلاة كبيرة من الكبائر، وقد كفر النبي صلى الله عليه وسلم تاركها فقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).
فالصلاة حين يتركها الإنسان جاحداً لها يكفر ويخرج من دين الله عز وجل، والذي يصلي أحياناً ويترك أحياناً تكاسلاً واقع في كبيرة من الكبائر، فإذا كان الإنسان بذنوبه الصغيرة يحترق فكيف بترك الصلاة؟! لذلك لا بد على المؤمن أن يواظب على الصلاة؛ لأن الله قال: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥] والصلاة المقبولة عند الله عز وجل علاماتها تظهر على الإنسان من نور في وجهه، وعمل صالح يعمله، ومواظبة على أداء ما فرض الله سبحانه وتعالى عليه، وبعد عن الفواحش وعن المنكرات، وإذا وجدت نفسك بعد الصلاة تتطلع للفحشاء والمنكر مثلما كنت قبل الصلاة فكأن هذه الصلاة ليست مقبولة عند الله عز وجل، فالصلاة المقبولة هي التي تغير صاحبها، يدخل في الصلاة ثم يخرج خائفاً من الله سبحانه وتعالى، يخرج من الصلاة وقد سجد لله سبحانه فتعلم التواضع فيتواضع لخلق الله سبحانه وتعالى، فالصلاة تزيد في إيمانه فيخرج من الصلاة وهو أفضل حالاً مما كان عليه، ولا تزال كل صلاة تفعل فيه ذلك حتى يلقى الله عز وجل وليس عليه من الذنوب شيء.
يقول أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ملكاً ينادي عند كل صلاة -هذا ملك جعله الله عز وجل لهذا الأمر- ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم! قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها).
نيران الغفلة واللهو والبعد عن الله سبحانه، والمعاصي والذنوب التي أوقدتموها على أنفسكم، فقوموا إلى الصلاة حتى تطفئ الصلاة هذه النيران التي أوقدتموها على أنفسكم.
وقد روى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبعث مناد عند حضرة كل صلاة فيقول: يا بني آدم! قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون فتسقط خطاياهم من أعينهم، ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، ثم توقدون فيما بين ذلك فإذا كان عند الصلاة الأولى نادى: يا بني آدم! قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون ويصلون الظهر فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة -يعني: العشاء- فمثل ذلك، فينامون وقد غفر لهم، فمدلج في خير ومدلج في شر) والإنسان المدلج: هو الداخل في الليل فيكون على خير بسبب هذه الصلوات.
يقول طارق بن شهاب: أنه بات عند سلمان الفارسي رضي الله عنه لينظر إلى اجتهاده، فقام يصلي من آخر الليل -يعني: يتنفل وقت السحر- قال: فكأنه لم ير الذي كان يظن، وهو يعرف أن سلمان من الزهاد العباد، وهو من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأفاضل رضي الله تبارك وتعالى عنه، وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (سلمان منا آل البيت).
مع أن سلمان فارسي أصلاً ولكن لعبادته لله سبحانه وتعالى وقربه من ربه ادعاه المهاجرون فقالوا: سلمان منا، وقالت الأنصار: هو يسكن معنا في المدينة فهو منا، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (سلمان منا آل البيت) رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فقد كان يزور الواحد منهم الآخر حتى ينظر إلى عمله لكي يقلده ويأتسي به، فلما وجده قام من آخر الليل يصلي في السحر وكان يظن أنه سيقوم الليل كله من أوله إلى آخره فسأله عن ذلك، فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب بمقتلة.
والمعنى: أنه طالما أنك أديت الصلوات الخمس كما أمر الله فهذا أهم شيء وما بعد ذلك كلها نوافل، فإذا حافظت على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن في بيت الله سبحانه وتعالى، وأديتها بشروطها، وأركانها، وهيئاتها، وسننها، فإنها تكون صحيحة ومقبولة عند الله ما لم تصب بمقتلة، يعني: ما لم تقع في كبيرة من الكبائر، كالسرقة، والزنا، والشرك بالله عز وجل وغير ذلك من الكبائر.
فالإنسان المؤمن إذا عرف فضيلة الصلاة وفضلها عند الله عز وجل حافظ عليها كما أمره الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:٢٣٨].
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على المحافظة على الصلوات وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.