[أمانة الصحابة رضي الله عنهم]
ومن هذه القصة وأمثالها تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة، وتعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم ألا يخدعوا أحداً في شيء.
خاصة وإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم أخبث الناس كيلاً؛ فقد كانوا يبيعون ويطففون في الكيل والميزان.
فلما قدم نزلت سورة المطففين فتركوا هذا الشيء وامتنعوا من تخسير الكيل والميزان.
وعند الحاكم والبيهقي قال أبو سباع: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، -وقد كانت الدار عندهم مثل العمارة عندنا الآن، فيها الشقق، ولكنها أفقية، فتكون البيوت فيها بجانب بعضها بعضهاً، ويجمعها حوش واحد.
فـ أبو سباع اشترى ناقة من هذه الدار، يعني: من بيت من البيوت.
قال: فلما خرجت بها أدركني واثلة وهو يجر إزاره، يعني: لم يتسن له أن يعدل إزاره على نفسه؛ خوفاً أن يذهب قبل أن ينصحه، فقال: يا عبد الله! اشتريت؟ قال: قلت: نعم.
قال: بين لك ما فيها؟ يعني جاري الذي باع لك هذه السلعة، هل بين لك العيب الذي فيها؟ قال: فقلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة.
قال: أردت بها سفراً، أو أردت بها لحماً؟ قال: أردت بها الحج.
قال: فإن بخفها نقب، يعني: خفها، وهو قدم الناقة منقوب خفيف، لا يتحمل السفر.
هذه هي الأمانة.
ولم يكن هو الذي باع، ولا هو المشتري.
فقال له البائع: ما أردت أصلحك الله؟ تفسد علي؟ يعني: قال له جاره: أنت تفسد علي البيعة التي بعتها.
فطالما أنه قد رضي الرجل فما دخلك أنت؟ فقال واثلة رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لأحد بيع أو يبيع شيئاً إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه).
فلا تدلس على أحد في البيع ولا في الشراء، وكذلك انصح الإنسان الذي يشتري إذا عرفت أن البائع خدعه.
فقد قال: النبي صلى الله عليه وسلم: (المكر والخديعة في النار).
وقال: (الدين النصيحة).
وهذا من النصيحة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على النصح لكل مسلم.
وفي حديث عقبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عند الإمام أحمد وابن ماجه قال: (المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب ألا يبينه).
فإذا بعت شيئاً فيه عيب فلا تواريه، ولا تكتم ما فيه، وثق بأن الله يبارك لك.
فإذا لم يشترها هذا فيشتريها آخر.
وإذا لم يشترها أحد بارك الله عز وجل لك في مالك.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).
فالكتمان والكذب في البيع يضيع بركة البيع.
ولذلك عندما تتعامل فتعامل مع الله سبحانه وليس مع الناس.
فإذا كان الإنسان لا يرى هذا العيب فالله يراه ويطلع عليه سبحانه.
فاحذر أن تمكر فيمكر الله عز وجل بك.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.