للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل التواضع وجزاء الكبر]

من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم المسلم التواضع: حديث رواه أبو داود عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، فالإنسان المؤمن متواضع يرى نفسه أقل من الناس، ولا يرى على الناس حقاً لنفسه، أو أنه يجب أن يقوم الناس له مثلاً عند مروره بهم، وفمن كانت هذه صفته (فليتبوأ مقعده من النار) أي: فليحضر نفسه للنار.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب أن أحداً من أصحابه يقوم له، وإن كان هو قد تأتيه ابنته فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها فيقوم لها ويقبلها صلى الله عليه وسلم، ويجلسها بجواره، فهذه محبة البنوة، فلأنها ابنته صلى الله عليه وسلم يفعل لها ذلك، ويأتي إليها فتقوم إليه وتقبله وتجلسه صلوات الله وسلامه عليه، فإن الأب مع ابنه أو الإنسان المحب مع من يحبه يستثنى من حكم هذا الحديث؛ لأن هذا الحديث إنما هو في الكبر والغرور، وذلك بأن يرى الإنسان نفسه أكبر من الناس، ويريد منهم أن يسكتوا إذا تكلم، وأن يقوموا له إذا دخل عليهم، وانظر إلى تعبير الحديث فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب)، فهو لم يطلب من الناس، ولكن يكفي مجرد إرادة ذلك في نفسه، وأن يحب أن يعملوا له ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (فليتبوأ مقعده من النار).

فالدين يعلمنا أن نحب الله سبحانه تبارك وتعالى، وأن يكون المؤمن عزيزاً بما أعزه الله عز وجل به، ذليلاً بين يدي الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يحب الفخر على الناس ولا أن يرفع مكانه عليهم، ويعلمنا أن الذي يرفع ويضع هو الله عز وجل، فيرفع من يشاء ويضع من يشاء.

فإذا تواضع الشخص لله سبحانه علم أنه ليس له حق على أحد، فيعمل العمل لا يعمله إلا لله، ولا ينتظر ثوابه من الناس، فإنه إذا علم الناس مثلاً وانتظر أن يحمدوه على ذلك ويثنوا عليه، فإنه بذلك قد ضيع علمه وعمله، وأخذ من الأجر ما حصله من الناس.

ولذلك كان أهل العلم وأهل الصلاح لا يحبون أن يمدحهم أحد في ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، لأن المداح يجلس يمدحك أنت كذا وأنت كذا حتى يغرك في نفسك، وتحس بعظمة فيها، فتحب أن كل الناس يفعلوا معك مثل هذا.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المزاحين فاحثوا في وجوههم التراب)، لذلك فالمؤمن لا يغتر بكلام الناس ولا يغر نفسه، ويكون الذي ينصحه أحب إليه من الذي يمدحه، فهو يعمل ويبتغي وجه الله عز وجل بعمله، ويتواضع لله وليس من أجل أن يقول الناس أنه متواضع، ولكن يبتغي الأجر من الله عز وجل على ذلك، فيتعلم أو يعلم لا ليقال عالم أو قارئ، ولكن يعمل ذلك احتساباً للأجر عند الله سبحانه.

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الصدق والإخلاص، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.