شرح حديث أبي ذر: (لا تحقرن من المعروف شيئاً)
من الأحاديث الذي جاءت في ذلك حديث أبي ذر في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق).
والحديث الآخر: (كل معروف صدقة) وطالما أن كل معروف صدقة فإنك عليه مأجور، وينبغي ألا تستقل شيئاً من المعروف فتتركه، فأقل المعروف تؤجر عليه حتى الإنسان الذي يتصدق بشق تمرة له فيه أجر وثواب، ويقي وجهه من النار بشق تمرة يتصدق بها، ومن أقل الأشياء قوله: (ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق).
وفي الحديث الآخر يوضحه: قال: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، فيلقى المسلم أخاه المسلم فيتبسم في وجهه، وله فيها صدقة.
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) يعني: تكسب بذلك صدقة وأجر عند الله سبحانه وتعالى.
ومن الصدقات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال: (وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر لك صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة) أي إذا وجدت رجلاً ضائعاً في مكان ما فتدله أن الطريق من هنا، فلك صدقة في ذلك.
(وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة).
قال: (وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)، فإذا كان معك دلو فيه ماء وصاحبك محتاج للماء وأفرغت قليلاً من الماء في دلوه فلك أيضاً صدقة بذلك.
وفي حديث أبي جري الهجيمي عند أبي داود والترمذي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئاً ينفعنا الله به.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي).
فإذا كان إنسان معه دلو فيه ماء وآخر محتاج للماء ليسقي البهيمة التي عنده فيعطيه قليلاً من الماء كي يسقي بهيمته، فهذا يعتبر شيئاً قليلاً، ولكنه عند الله عز وجل كثير، ولا يُحتقر المعروف أبداً.
قال: (ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط) أي: عندما تكلم إنساناً تكون صاحب وجه طليق، وأن تعطي له الفرصة بأن يأخذ ويعطي معك في الكلام، وعندما تكلم أخاك وأنت مبتسم فإن لك الأجر أكثر من أن تكلمه وأنت غير مبتسم، فتؤجر لحسن الكلام وطلاقة الوجه.
ثم نصحه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إياك وإسبال الإزار) فعندما تلبس الإزار سواء كان قميصاً أو بنطلوناً فلا يكون مسبلاً، والإسبال هو: ما جاوز الكعبين من الإزار فإذا مشى جره في الأرض، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووضح سبب النهي فقال: (فإنه من المخيلة) أي: من العجب بالنفس والغرور، وهذا لا يحبه الله، وجاء في الحديث الآخر: (لا ينظر إلى صلاة مسبل)، لا ينظر الله إلى إنسان يقوم في الصلاة وإزاره نازل إلى الأرض وجاوز الكعبين، فهذا لا ينظر الله إلى صلاته.
وجاء في الحديث الآخر: (ما زاد عن الكعبين فهو في النار) هذا بالنسبة للرجال، وأما النساء فتستر المرأة قدميها ولو وصل ثوبها إلى الأرض.
قال: (وإن امرؤ شتمك بما لا يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه؛ فإن أجره لك ووباله على من قاله).
يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث خلقاً عظيماً من مكارم الأخلاق وهو: أن الإنسان لعله يغيظه إنسان ويعيره بشيء فيقول عليه الصلاة والسلام: (إن امرؤ عيرك بما لا يعلمه فيك فلا تعيره بما تعلمه فيه) فقد يأتي إنسان ويشتمك ويتطاول عليك وقد يذكر أشياء لا وجود لها أصلاً، وهو إنسان تعلم أنه ناقص وأن فيه الكثير من النقائص فلا تذكر عليه هذه الأشياء التي تعلمها؛ ليصيبه الإثم لوحده، ولكيلا تدخل معه في هذا الباب القبيح.
وجاء في الحديث الآخر: (أنه افترى عليك واختلق شيئاً ليس فيك) فلا ترد عليه حتى يكون الوبال عليه لوحده، ولا تدخل أنت في ذلك ولكن يكون لك الأجر.
قال: (فإن أجره لك ووباله على من قاله).