[شرح حديث:(من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موءودة)]
ومن الأحاديث التي جاءت في هذا حديث رجاء بن حيوة قال: سمعت مسلمة بن مخلد رضي الله عنه يقول: بينا أنا على مصر فأتى البواب فقال: إن أعرابياً على الباب يستأذنك، فقال: قلت: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبد الله، وجابر بن عبد الله ليس أعرابياً، وإنما هو صحابي فاضل، وأبوه هو عبد الله بن حرام الأنصاري الذي خاطبه الله عز وجل كفاحاً، ورأى ربه سبحانه وتعالى، وكان شهيداً من شهداء أحد، ومن أفضل الشهداء، فرضي الله تبارك وتعالى عنه، وقال له ربه:(يا عبدي! تمنّ عليّ، فقال: أتمنّ أن أعود إلى الدنيا فأقتل فيك).
فهذا ابنه جابر بن عبد الله من الصحابة الأفاضل، يسافر من المدينة إلى مصر، والسفر في ذلك الوقت ما كان بأن يركب سيارة ولا أن يركب طيارة، وإنما كان يركب على جمله من المدينة إلى مصر.
فقال هنا: أنا جابر بن عبد الله، وكان مسلمة بن مخلد في قصره، وكان جابر بن عبد الله تحت القصر، قال مسلمة فأشرفت عليه، فقلت: أنزل إليك أو تصعد إليّ؟ وكلاهما من الصحابة، فهذا صحابي وهذا صحابي، فـ مسلمة يقول له: هل أنزل إليك أم تطلع إليّ؟ فقال: لا تنزل ولا أصعد، قال: وما الذي تريده؟ قال: حديثاً بلغني أنك ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن جئت أسمعه، لقد جاء من المدينة إلى مصر يسمع حديثاً، ولا يريد أن ينزل ضيفاً عند الأمير ولا أن يطلع، ولا أن الأمير ينزل، وإنما قال: حدثني بحديث وأنا منتظر هنا في الخارج، وقل لي ما هو الحديث، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موءودة) قال: فضرب بعيره راجعاً.
فقد جاء من المدينة إلى مصر من أجل أن يسمع هذا الحديث، فسمعه وانصرف من غير أن يدخل لضيافة، ومن غير أن يأكل ويشرب، وإنما سمع الحديث وضرب بعيره ورجع.
فهذا حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة كان يهمهم أن يسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم إما منه صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فـ جابر لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بلغه من واحد ممن سمعه من مسلمة، وما أحب أن يكون بينه وبينه واسطة، فأراد بنفسه أن يسمع الحديث ممن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فسافر إليه كل هذا السفر؛ لكي يسمع حديثاً ويرجع مرة أخرى إلى بلده.
فالحديث فيه:(من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موءودة) والموءودة: هي الطفلة التي كان أهل الجاهلية يدفنونها وهي حية، فكان الواحد منهم يأخذ ابنته بعد ولادتها ويدفنها حية، قال سبحانه:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[التكوير:٨ - ٩]، فهذا الذي أماتها له عذاب، والذي أحياها له أجر عظيم، يعني: الذي استنقذها من أبيها، وكان بعض الناس يفعلون ذلك مثل زيد بن عمرو بن نفيل، فكان يذهب إلى الإنسان الذي يريد أن يقتل ابنته ويقول له: هات البنت هذه التي لا تريدها، فيأخذها هو ويربيها إلى أن تتزوج هذه الفتاة، فمن أحياها فله أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى.
فالإنسان الذي يستر على مؤمن عورة يكون كالذي أحيا الموءودة، فله أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى.