[ذكر ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا]
ومن الأحاديث: حديث عن عائشة رواه الإمام أحمد ورواه الطبراني أيضاً تقول: (أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلاً)، يعني: ليلة من الليالي أبو بكر الصديق أرسل هدية للنبي صلى الله عليه وسلم، الهدية يد خروف.
وهذا دليل على أنهم في مرحلة من المراحل كانوا في غاية الفقر، وقد كان أبو بكر من أغنى الناس في مكة، فأنفق ماله كله على دين رب العالمين سبحانه، فهذا الذي يقدر عليه في هذه المرحلة أن يرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بيد شاة.
(قالت: فأمسكت وقطع النبي صلى الله عليه وسلم)، يعني: هذا شأنهم في الليل، فقد كانوا في ظلمة، فالسيدة عائشة أمسكت وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بالسكين وقطع أو العكس.
فيقول الراوي للسيدة عائشة رضي الله عنها: تقطعون يد الشاة على غير مصباح، فقالت عائشة رضي الله عنها:(إنه ليأتي على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر ما يختبزون خبزاً، ولا يطبخون قدراً).
فراوي الحديث يقول: يا أم المؤمنين -هذه رواية الطبراني - تقطعون على غير مصباح؟ فقالت: لو كان عندنا دهن مصباح لأكلناه، فلم يكن عندهم غاز ولا بترول يوقدون به المصباح! فانظر للحال الذي كان عليه بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لا نور في البيت ولا مصباح ولو كان هناك دهن للمصباح لأكلوا هذا الدهن، لذلك لا تعجب عندما يدعى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام إلى خبز شعير وإهالة -دهنة- سنخة يعني: قد مكثت في الجراب فترة طويلة حتى بدأ طعمها يتغير، فيذهب النبي صلى الله عليه وسلم ويأكل من ذلك.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم.
أي: حتى التمر، وقد كانت المدينة مليئة بالبلح والتمر، لكنها تقول: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم! وفي الحديث الآخر أن سائلاً يسأل السيدة عائشة رضي الله عنها يقول: يا خالة! ما كان يعيشكم؟ فتقول: الأسودان يعني: الطعام السائد الذي عندنا التمر والماء، فقد كانوا يمكثون شهرين اثنين وتطلع ثلاث أهلة عليهم في شهرين وليس في البيت طعام ولا خبز، وإنما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم التمر، ويا ليته يشبع منه صلوات الله وسلامه عليه! تقول: من حدثكم أن كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم قريظة أصبنا شيئاً من التمر والودك!