ديننا يعلم الإنسان أن يأخذ حذره؛ إذ لعله يأخذ من هذا الشيء المشتبه شيئاً وراء شيء إلى أن يصير الأمر سهلاً عليه، فلا يتحرى الحلال من الحرام، ويقع آخر أمره في الحرام.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثل فقال صلى الله عليه وسلم:(كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).
والحمى: هو حريم يجعله السلطان مكاناً محرماً وممنوعاً على الناس، كأن يقول: هذه الخيل للمسلمين، وهذه الإبل للمسلمين، وهذه للسلطان، فلو أن راعياً معه إبل أو غنم وجاء بالقرب من هذا المكان يرتع فيه، ويقول: المكان هذا مكان خصب، ولن أدخل مكان السلطان، بل أنا من حوله فهو لا يملك أن تدخل واحدة من الأغنام حمى السلطان، فلو أن هذا الراعي بجهله ذهب بغنمه حول مكان السلطان ورأى غنمه تدخل حمى السلطان، فعاقبة السلطان وأخذ منه الغنم، فرجع ولا غنم ولا مال لعاتبه الناس وسخروا من جهله، فكذلك هذا الإنسان الذي يرتع حول الشبهات ويأتي إلى الشيء المشتبه فيأخذ منه شيئاً فشيئاً إلى أن تحدثه نفسه بأكل الحرام فيقع فيه بعد ذلك وهو يعلمه، فلذلك على المؤمن أن يتحرى ويسأل، قال الله سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣].
وليحذر الإنسان من أن يحوم حول المعاصي ومقدماتها التي توقعه فيها، فإن من حام حول هذه المقدمات أوشك أن يقع في المعاصي بعد ذلك.
فعلى المؤمن أن يجتنب الحرام وما أشكل عليه، وأن يسأل أهل العلم في ذلك كما قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣]، فإذا سأل فليتجرد في سؤاله، بحيث لا يسأل بطريقة يأخذ بها الجواب الذي يريده، وكم من سائل يفعل مثل ذلك، فتجده يريد جواباً بعينه، فيسأل المسألة معمياً فيها على المفتي حتى يفتيه بالشيء الذي يوافق رغبته.