[فضل المساكين والقرب منهم]
وهذه الأحاديث في الحديث عن الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين.
وذكرنا في حديث سابق أن المعنى ليس هو أن يطلب الإنسان من ربه أن يفقره، ولكن المعنى: أنه إذا أعطاه مالاً فليؤد حق الله عز وجل في النعم، ويصبر لأمر الله سبحانه ولا يتضجر من ذلك، وإذا افتقر الإنسان فليعمل كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم في ما ورد أنه كان يتعوذ بالله من الكفر والفقر.
فالأحاديث في جملتها فيها أمر للفقير بأن يصبر على ما هو فيه، وفي الحديث أيضاً مواساة للفقير، وإخبار بما له عند الله سبحانه من فضل ومنزلة، وأن على المسلم أن يحب الفقراء من المسلمين، ويعلم أن لهم فضلاً في الدنيا وفي الآخرة.
ففي الدنيا هم الضعفاء، وهم أهل إجابة الدعاء.
وفي الآخرة يشفعون في دخول الجنة لمن كان يعطف عليهم ويعطيهم في الدنيا، ومن كان يقربهم، فعلى المسلم أن يحب الفقراء؛ لفضلهم عند الله، ولأن الله يحبهم، ولشفاعتهم عند الله.
ومن الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء أنه كان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين).
والمعنى هنا: أنه لا يطلب الفقر صلى الله عليه وسلم، ولكنه يطلب قوتا على القدر والكفاية والحاجة.
فالمسكين: هو الواجد لأقل من حاجته، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يطلب ما يكون عليه المسكين، وهذا من حسن التواضع عنده صلى الله عليه وسلم، كأنه يقول: اجعلني مع المساكين، قريباً منهم، واجعلني معهم في الدنيا، وليس المعنى: أفقرني، بل هو كان يتعوذ بالله من الفقر.
فقال: (أحيني مسكيناً) أي: مع هؤلاء، وارزقني أخلاق المساكين، من المسكنة والتواضع للخلق.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني الليلة ربي) وفي رواية: (رأيت ربي في أحسن صورة)، في حديث طويل، وفي آخر الحديث أن الله سبحانه تبارك وتعالى أوصى النبي صلوات الله وسلامه عليه، (فقال: يا محمد! قال: قلت لبيك وسعديك، فقال: إذا صليت قل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون).
وفي رواية أخرى: (وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وتتوب علي، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون).
هذا النبي صلوات الله وسلامه عليه الذي عصمه الله سبحانه، ومع ذلك يوصيه ربه أن يدعو بهذا الدعاء، فنحن أولى أن ندعو بهذا الدعاء، أما هو فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
إذاً: بعد كل صلاة يستحب للمسلم أن يدعو بهذا الدعاء، ويقول: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، يعني: جميع الخيرات، كأن اللام هنا للجنس، أي: جنس الخيرات، فكل خير اجعلني أفعله وأعني عليه.
وترك المنكرات، ولام المنكرات للجنس أي: جميع المنكرات، فيقول: اجعلني أترك جميع المنكرات ولا أقع فيها.
(وحب المساكين): وهذا الشاهد من الحديث، وهو أنه يدعو ربه سبحانه أن يحبب إليه المساكين، فالإنسان المؤمن عندما يرزقه الله سبحانه وتعالى حب المساكين، يجعل في قلبه رحمة، ويجعل في خلقه التواضع، ويجعله ذليلاً على المؤمنين، عزيزاً على الكافرين، فكان يطلب حب المساكين، ليحبهم ويحبوه، فينتفع المسلم بذلك، ليكون متواضعاً، والمتواضع يرفعه الله عز وجل.
والمستكبر المتعالي لا بد أن يذله وأن يقصمه الله سبحانه وتعالى، فليسأل المؤمن ربه حب المساكين.
قال صلى الله عليه وسلم: (وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)، وقد علم من حاله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكنه يريد أن يعلمنا كيف ندعو عقب الصلاة.