من الأحاديث العظيمة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث رواه الترمذي عن كعب بن مالك، ورواه الطبراني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).
نفهم من هذا المثل الذي يذكره صلى الله عليه وسلم أن حظيرة فيها أغنام، هذه الحظيرة غفل عنها صاحبها فدخلها ذئبان، والذئب من أشد الحيوانات ضراوة وعداوة وإفساداً، فلو كان ذئباً واحداً لأفسد فساد عظيماً، فكيف بذئبين يشجع أحدهما الآخر؟ وكيف بحظيرة مفتوحة أهملها أصحابها وجاء الذئبان وهما جائعان ضاريان، والذئب إذا كان جائعاً وسلط على حظيرة غنم يهجم على الغنمة ويأكل من بطنها، ويهجم على الثانية ويأكل من بطنها، فلا يترك غنمة واحدة إلا نهش بطنها، وكأنه يريد أن يأكل الجميع، فلا تكفيه واحدة، هذا ذئب واحد، فكيف لو كانا ذئبين؟ فالذئب بشرهه وطمعه يفسد كل هذه الأغنام، ويأكل من الجميع ما يأكل.
فالذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من التشبيه أن حظيرة غنم دخل فيها ذئبان جائعان أفسدا إفساداً عظيماً وأهل الحظيرة غافلون عنها، فالحظيرة هي دين الإنسان، والذئبان هما حرص الإنسان على ماله، وحرصه على شرفه، فالإنسان الذي يحرص على المال يبدأ في جمع المال بأي صورة من الصور، والإنسان فيه نهم يشبه نهم الذئب حين يأكل الغنم، ففيه طمع وفيه شره وفيه حرص على المال وحرص على السيادة والرفعة.
فالإنسان قد يضحي بماله في سبيل سيادته ورفعته، والحرص على المال وعلى الجاه يفسد على الإنسان دينه أشد من إفساد هذين الذئبين في هذه الحظيرة التي فيها الأغنام، فقال صلى الله عليه وسلم:(ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)، يعني: يحرص على المال وعلى الشرف فيفسد دينه بحرصه ذلك.
لذلك يقول العلماء: أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوة ويجر إلى التنعم في المباحات فيصير التنعم مألوفاً، يعني: معه مال فيألف كل شيء مباح، إذا غاب عنه هذا الشيء المباح يبدأ يغضب؛ لأنه فقد شيئاً من النعمة، وربما يشتد أنس الإنسان بهذا المال فيعجز عن كسب الحلال، ويبدأ يبحث عن الحرام فيقتحم في الشبهات وفي الحرام ويتلهى عن ذكر الله فيضيع دينه، ويكفي به إفساداً أن المال يلزم الجاه، والجاه لا يلزم المال.
فالإنسان يجمع المال لكي يكون ذا قدر كبير بين الناس، فكيف يكون جاه الإنسان الذي يحرص عليه؟ إذا كان في سبيل المال يضيع دينه فكيف إذا كان في سبيل الجاه؟ فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المال والجاه يضيعان دين الإنسان، فهنا يخوض الإنسان في المراءاة في سبيل الجاه وفي النفاق وفي المداهنة وفي سائر الأخلاق الذميمة لكي يقال عنه رجل كبير ورجل بين الناس رئيس، فهذا من إفساد طلب الشرف وطلب المال لدين المرء.
وإذا كان الهم عند المرء هماً واحداً كفاك الله عز وجل جل ما أهمك، وإذا اجتمعت بك الهموم في طلب المال وفي طلب الشرف وفي طلب المناصب ضاع الدين وضاعت الدنيا.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.