للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصال الخير خير من الدنيا وما فيها]

من الأحاديث: حديث رواه أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا)، معنى: أربع: أي: أربع خصال، أو أربع صفات، إذا أكرمك الله بهذه الصفات وكن موجودة فيك فلا يهمك أي شيء من الدنيا ضاع ولو ضاعت الدنيا جميعها، وهن: (حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة).

فأولهن: حفظ الأمانة، والأمانة من أخطر وأصعب ما يكون، فلقد رفضت الجبال والسماوات والأرضون أن تحمل هذه الأمانة، قال الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:٧٢].

ولا شك أن هذه أقوى من الإنسان، ومع ذلك لما عرضت عليها الأمانة، أي: التكاليف، بأن عرض عليهن تكليفهن كما كلف الإنسان، فيقال له: اعمل كذا وإن كلفتن فهناك ثواب وعقاب، فأبين حملها، وخفن من عقوبة رب العالمين سبحانه وتعالى.

أما الإنسان فقبل هذه الأمانة، وأن يعطيه الله العقل والتكليف ثم تختار لنفسك أي الطريقين: طريق السعادة أو طريق الشقاوة، وبناء على ذلك تحاسب، والله يقدر الأقدار سبحانه وتعالى.

فهذا هو اختيار الإنسان وفي طبيعته الجهل والظلم، كما قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:٧٢].

فالأمانة: هي التكاليف الشرعية، والله أمرك وكلفك بالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والطهارة من أجل الصلاة والعبادة، وغير ذلك من أمانات الله عز وجل في خلقه.

ومنها أيضاً: حفظ معاملات الناس كأماناتهم، وودائعهم، وحفظ حق الجوار والضيف، وحفظ الإنسان أهله، وغير ذلك من أمانات الله عز وجل التي أمرنا أن نراعيها.

فإذا كانت هذه الخصلة في نفسك فحافظ على أمانة الله وعلى أمانات الخلق.

الثانية: صدق حديث، والصدق لا يأتي إلا بخير، ومهما يصاب الإنسان بضرر بسبب صدقه إلا أن نهاية الصدق الخير كما ذكرنا في قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه.

فإذا كان الإنسان صادقاً أحبه الله عز وجل، ووضع له المحبة في قلوب العباد، وكتب عند الله من الصديقين ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً).

الثالثة: حسن الخلق، فإذا كان الإنسان المؤمن حسن الخلق أحبه الخلق، وقدر أن يتعامل معهم، فيأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر فيستجيبون له، ويرتفع العبد أعلى الدرجات يوم القيامة بحسن خلقه، فالإنسان لن يسع الناس بماله مهما أوتي من كنوز، ولكن يسع الناس بحسن الخلق.

الرابعة: وعفة في طعمة، فلا ينظر إلى أرزاق الناس، ولا يكون في قلبه حقد على الناس.

وكذلك مكسبه من حلال، فلا يطعم ولا يتذوق إلا الطعام الطيب.

فهذه هي الخصال الأربع، وإذا اجتمعت في أحد فلا عليه ما فاته من الدنيا، ولو فاتته الدنيا جميعها، فله عند الله ما هو أعظم بكثير من هذه الدنيا.