شرح حديث: (الصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة)
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وذكر الحديث وفيه: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).
قوله: (الصوم جُنَّة)، فتصوم رمضان وتصوم تطوعاً لله حتى تكون لك ستراً ووقاية من النار، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، فالصوم يقيك من النار، والذي يطفئ لك هذه النار هي الصدقة، فأنت عندما تصوم وتتصدق وقيت نفسك من النار، وأطفأت عن نفسك هذه النار.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس)، رواه أحمد وابن خزيمة.
فيوم القيامة هو يوم مقداره خمسون ألف سنة، فالشمس تدنو من الرءوس حتى ما يبقى إلا قدر ميل، سواء ميل المسافة أو ميل المكحلة، فإنها فوق الرأس مباشرة، فمن سيظلل العبد من هذه الشمس يوم القيامة؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة ستظللك من هذه الشمس يوم القيامة، ذلك اليوم الطويل الذي قدره خمسون ألف سنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس)، قال يزيد: فكان أبو مرثد لا يأتي يوم إلا تصدق فيه بشيء.
وهذا رجل من التابعين اسمه: أبو مرثد رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكل يوم يأتي لابد أن يتصدق فيه بصدقة حتى يظله الله بظله يوم القيامة.
قال: حتى ولو كعكة، ولو بصلة، حتى تدركه رحمة الله، فلا يشترط أن تكون الصدقة مالاً كثيراً، لا، ففي الحديث قال: (ولو بشق تمرة)، فكان الرجل يأخذ أي شيء ليتصدق به على أخيه الموجود.
وفي رواية: أنه كان أول شخص يذهب إلى المسجد، قال: وما رايته داخلاً المسجد قط إلا وفي كمه صدقة.
فكأن الرجل ما كان غنياً، لكنه كان يتصدق بما يملك: إما خبزاً، أو قمحاً، قال: حتى ربما رأيت البصل معه يحمله، قال: فأقول: يا أبا الخير! إن هذا البصل يعطي ثيابك رائحة كريهة! فقال: يا ابن أبي حبيب! أما إني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته).
وفي رواية: (أن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته)، وهذه رواية أخرى.
فنتعلم من هذه الأحاديث أن المؤمن إذا قدر على الصدقة فليتصدق ولو بأقل الأشياء، ولا تستقل شيئاً تنفقه لله سبحانه وتعالى، فأعط ولو القليل أفضل من ألا تعطي شيئاً، وعندما يتعود الإنسان فيعطي شيئاً فشيئاً تكون له عادة بعد ذلك، فكل يوم له صدقة من الصدقات، ويوم القيامة يجد ظلاً وفيراً عظيماً، وفي قبره لا يجد ما يطفئ عنه نار القبر إلا الصدقة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يطفئ عنا نيران القبور.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.