[شرح حديث: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)]
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا).
فالتيسير من دين الله سبحانه وتعالى، والتيسير يكون بإقامة دين الله سبحانه، لهذا لا يأتي إنسان ويقول: أريد أن أصلي ثلاث صلوات في اليوم أو صلاتين، فهو ليس من التيسير، بل هذا بعد عن دين الله، وتشريع للخلق بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى.
ولكن التيسير يكون بالدين، فيسر بدين الله، والدين فيه رخصة، فالإنسان ييسر له بهذه الرخصة كقوله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤].
فالإنسان إذا كان سيسافر ويريد أن يفطر فلا يقال له: اتق الله، اتق الله وصم؛ لأن الله قد رخص له، فيجوز للمسافر أنه يفطر، ويجوز للمريض أنه يفطر بنص القرآن العظيم، فإذا جاء إنسان وتشدد وأرغم المريض أنه يصوم فإنه قد يزداد عليه المرض، وهذا من التعسير على الخلق.
فالتيسير يكون بدين سبحانه وتعالى، والرخص التي شرعها الله سبحانه تؤخذ في مواطنها، وأما إنسان ييسر بإلغاء الدين فلا، فإنه لا يحل لمسلم إن يلغي شيئاً شرعه ربنا سبحانه وتعالى.
قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا).
يعني: اذكر ما فيه بشرى للناس، وما فيها ذكر دخول الجنة للناس، ولا تجزم على إنسان أنه من أهل النار، ولا تجزم لإنسان أنه من أهل الجنة.
فلا تقل لأحد: أنت في النار، فإنه لا علم لك بذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
فالإنسان لا يدري عن حال نفسه فضلاً عن أن يدري عن حال غيره، فلا نجزم على أحد أن هذا في النار أو هذا في الجنة.
وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: هلك الناس، فهو أهلكهم)، وكأن من علامات المغرور أن يقول: كل الناس ضيعوا، وكل الناس في النار، فأنت ترى مجموعة من الناس ولا ترى كل الناس، ولا حضرت كل الناس، ولا عرفت كيف ستكون نهايتهم، لذلك لا يجوز لإنسان أن يقول: كل الناس هلكوا وسيدخلون النار، ولكن الإنسان يدعو لغيره برحمة رب العالمين، وأن يهديهم الله سبحانه تبارك وتعالى، وليس معنى ذلك أنه يرى المنكر ويتركه، ولكن يرى المنكر فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليكن سبيله إليه التغيير برفق وليس بعنف.
وقوله: (بشروا ولا تنفروا)، فالتبشير فيه خير، وقد تقبل بالإنسان من أبواب الرجاء على ربه سبحانه أكثر ما تقبل به من أبواب التشديد، ويمكن أن إنساناً يقول له: إذا عملت كذا فسوف تدخل النار، فبعض الجهلة يقول: نحن داخلون النار داخلون! بعض الناس يقول ذلك فيستهين ويكفر والعياذ بالله.
فالإنسان الذي يستهين بالنار قد وقع في الكفر والعياذ بالله، والذي يستهزئ بالنار وقع في الكفر، ولكن الإنسان الذي يخاف من النار، ويعترف بذنوبه ويقر بها فهذا أقرب إلى رحمة رب العالمين سبحانه.
فمن التنفير أنه ييئس الناس من رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى، ولكن الإنسان المسلم يبشر، وكما يذكر الأشياء التي فيها الترهيب والتخويف يذكر الأشياء التي فيها الترغيب والتبشير؛ لعل الله عز وجل أن يهدي العباد إلى دينه سبحانه؛ ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هداة مهتدين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.