من الأحاديث حديث رواه الإمام أحمد من حديث الضحاك بن سفيان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: (يا ضحاك! ما طعامك؟).
النبي صلى الله عليه وسلم يعرف ما يأكل الناس ولكن أراد أن يضرب المثل، وكأن الضحاك كان رجلاً غنياً يأكل من أعلى الأشياء، فقد كان يأكل اللحم ويشرب اللبن، هذا طعامه وشرابه، فقال:(يا رسول الله! اللحم واللبن)، يعني: أغلى شيء وأرفعه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ثم يصير إلى ماذا؟) يعني: أغلى شيء عندك اللحم واللبن ثم يصير هذا اللحم واللبن إلى ماذا؟ قال الرجل متأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم:(إلى ما قد علمت).
يعني: يتحول في بطن الإنسان إلى غائط، ويخرج في النهاية ويتقذره الإنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا).
يعني: الدنيا التي تنظر إليها أعلى ما فيها الطعام والشراب، وفي النهاية يصير شيئاً لا قيمة له، بل تتأذى من هذا الشيء الذي يخرج منك، كذلك هذه الدنيا تصير يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء، فتقول: هذه الدنيا هي التي كنت أحبها؟ هذه دنيا الإنسان.
يقول في الحديث الآخر صلوات الله وسلامه عليه:(إن مطعم ابن آدم جعل مثلاً للدنيا، وإن قزحه وملحه) يعني: يأتي بالطعام ومن ثم يطبخه ويضع عليه توابل من أجل أن يصبح طعمه لذيذاً، وبعد ما أتعبت نفسك وطبخت هذا الطبيخ أكلته ثم صار إلى غائط في يوم من الأيام وتتأذى منه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فانظر إلى ما يصير).
مثل هذا يدفع الإنسان ألا يتكالب على هذه الدنيا؛ لأن الذي تحبه اليوم هو الذي ستبغضه في الغد، والثوب الجديد تفرح حين تلبسه وتفتخر به على غيرك، وتمر عليه الأيام والشهور فيصبح ثوباً قديماً تستحيي من لبسه؛ لأنه قد تمزق وتقطع وترقع، كذلك هذه الدنيا تفرح بها حين تقبل عليك، وتتأذى منها يوم القيامة حين ترى ما صنعته فيها.